نجحت الجزائر مرة أخرى في جمع شمل الأدباء والكتاب العرب، للتحاور حول توحيد الكلمة والموقف وشحن الإرادات لمواجهة تحديات ظرف صعب ومؤامرات تحاك ضد الأمة العربية سرا وعلانية وأجندات تضرب بأقصى درجات العنف ما تبقى من الهوية والانتماء لهذا الصرح القومي الفسيح الممتد على أكبر رقعة جغرافيا سياسية وحامل حضارة عريقة ضاربة في أعماق التاريخ.
أظهرت الجزائر باحتضانها اجتماع الأمانة الدائمة لاتحاد الأدباء والكتاب العرب برعاية رئيس الجمهورية أنها الحصن المنيع والحضن الدافئ للنخبة صاحبة قرار التغيير وحاملة بدائل التطور والرؤية الاستشرافية لمواجهة تداعيات الحاضر المضطرب والآتي بروح المسؤولية وبعد النظر والتبصر بعيدا عن مقولة «تخطي رأسي».
تجلى هذا في مداخلات رؤساء الوفود ومسؤولي الاتحادات وتنويههم بالرعاية الجزائرية للقاء استثنائي يعالج قضايا استثنائية في الزمن العربي المرير المثقل بالكوابيس، الذي تسلل إليه الحاقدون ــ غرباء وذوي قربى ــ من بوابات هشاشة الصف وتباعد المسافات والحواجز والممنوعات، يحاولون فرض قانونهم ومنطقهم على الموقف العربي الأصيل الذي عبر عنه الأديب والكاتب المثقف.يحاولون الترويج لثقافة الإقصاء والتطرف والتكفير بدل التنوع والاعتراف بالآخر والتفتح عليه واتخاذ من الاختلاف قوة إضافية في تقوية الذات وتحصينها دون تركها عرضة للتشكيك والضبابية المولدة لكل سلوكات اليأس والقنوط.
تجلى هذا في كلمات المتدخلين الذين اعطوا تفسيرات وقدموا أجوبة عن تساؤلات لماذا المقاومة اختيرت عنوانا للتلاقي وكيف السبيل إلى العودة الآمنة إلى الرصيد الفكري الأدبي العربي الذي أزال الستار عن مكنونة الهوية العربية والانتماء والمرجعية التي هي عنوان المثقف العربي حامل مشعل الإصلاح والتصالح بالتفتح على روح العصر المنقلب دون التنازل قيد أنملة عن خصوصيته وتمايزه.
توافد الأدباء والكتاب العرب على الجزائر بهذه الحرارة والنشوة والحب والاعتزاز والنخوة هو اعتراف وتجاوب صريح مع ما تمثله من وجهة ثقافية إبداعية وما تصبو إليه من ترسيخ لثقافة لم الشمل والكف عن التنافر ورفض الآخر وما تمثله المقاومة من حضور دائم في الإبداع بأبعد مداه وأوسع صوره.
قالها أكثر من متدخل جهرا « إن الجزائر هي الحضن الدافئ للأدباء والكتاب العرب، احتضنتهم دوما في وقت اشتد فيه الحصار كاشفة للملأ أنها أحق بأن تكون الوجهة لمقاومة الإبداع التي أسسها من زمان مفدي زكريا في ملحمة إبداعية تؤرخ لوطن ماضيا، حاضرا ومستقبلا «إلياذة الجزائر».
إنها محطة أخرى أرادها أهل الثقافة والإبداع العرب أن تكون أكثر إشراقا وألفة وتآخيا بالجزائر لممارسة سياسة جمع الشمل على طريقتهم واعتماد أقصر الطرق وأقرب المسافات لبلوغ الهدف والمقصد تجاوزا لإخفاقات أصحاب الحل والربط الذين غضوا الطرف عن مصادرة قوى خارجية للقرار السياسي الوحدوي العربي وصناعة خطط الانقسام والتشرذم من عواصمها.