أخذ البعض يتباكى على اللغة الفرنسية في الجزائر إلى درجة اعتبارها ضحية تتعرض إلى حملات عدائية في بلادنا و ذلك لمجرد الكتابة بلغة أجنبية أخرى على يافتات لأسماء مؤسسات رسمية أو أكاديمية جزائرية مؤخرا، بل أكثر من ذلك و صلت الوقاحة إلى اعتبار عملية تعريب الإدارة التي باشرتها الدولة الجزائرية بداية سنوات السبعينات كانت أولى الهجمات التي استهدفت اللغة الفرنسية في الجزائر، و يا ليت الأمر اقتصر على ذلك فقط بل هناك من اعتبر أن لغة موليير هي التي كانت وراء ازدهار و تطور الجزائريين في مختلف المجالات في إشادة واضحة بالاستعمار وتزكية معلنة لقانون 23 فيفري الذي يمجد الاستعمار، و في هذا الصدد تم التذكير بأن مختلف الجزائريين الذين كتبوا أعمالهم الأدبية باللغة الفرنسية من أمثال مولود معمري و كاتب ياسين ... و غيرهم و إن كنت لا أختلف في كون تلك الكتابات راقية و جميلة و لا أشكك في وطنية أحد منهم و لكن الذي لم يشر إليه أن أولئك المفكرين و الكتاب الجزائريين لم تترك لهم حرية الاختيار بل كانوا مجبرين على التعلم باللغة الفرنسية
و الكتابة بها لأنها فرضت عليهم فرضا دون بديل آخر، بل أنهم كانوا من المحظوظين (حالات استثنائية) تمكنت من اختراق النظام الدراسي الاستعماري والتحقت بمقاعده في حين أن السواد الأعظم من الشعب الجزائري حرم من مزاولة التعليم واخترعت له (شهادة نهاية الدراسة) الفريدة من نوعها في العالم لطرده من المنظومة التعليمية في الطور الابتدائي.
إن الذين يتباكون على اللغة الفرنسية بهذا الشكل المؤسف والمخجل الذي يصل إلى درجة الحنين الاستعماري كان عليهم من باب أولى البكاء على الجزائر وعلى مستقبلها الذي لا يكون أكثر أمنا وتحررا إلا من خلال الخروج من قاعدة « المنتوج الوحيد، الشريك الوحيد «، إلى قاعدة جديدة بأبعاد إستراتيجية تمكن الجزائر من الحفاظ على استقلال قرارها السياسي والاقتصادي وهي المنتوج المتعدد أي تنويع الاقتصاد وتنويع الشركاء كذلك.
إن تشجيع تعلم اللغات الأجنبية الأخرى في الجزائر لا يجب أن يفسر من باب الكراهية للغة الفرنسية التي لا يجب أن تحظى في الوقت نفسه بوضع اللغة الأولى بالرعاية لأنه وضع يجب أن يعطى فقط للغتين العربية والأمازيغية في بلادنا، بينما يجب أن تبقى اللغة الفرنسية مجرد لغة أجنبية كسائر اللغات الأخرى التي علينا أن نتعلمها كوسائط نستعملها في البحث العلمي والحصول على التكنولوجيات الحديثة والتحكم فيها لا أكثر.
لا أريد هنا العودة إلى الحديث عن تقهقر اللغة الفرنسية في الترتيب العالمي مقارنة باللغات الأخرى لأن هذا شأن يخص الفرنسيين وحدهم و لكن أن يعتبر البعض أن مسار التعريب في الجزائر كان هجوما على اللغة الفرنسية فهذا إعلان حرب على مقومات وهوية الشعب الجزائري و على الخيارات الإستراتيجية للدولة الجزائرية ومن بينها إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية بصفتها أحد أبعاد هويتنا فهل ترسيمها كان هجوما على الفرنسية في الجزائر ؟ ! .