زيارة العمل التي تقوم بها وزيرة التربية الوطنية إلى نواحي ولاية المدية، اليوم، في إطار معاينة للقطاع على المستوى الوطني تعكس مدى المتابعة الحثيثة لواقع المنظومة التربوية في الجزائر العميقة، حيث تبذل الدولة جهودا جبارة للنهوض بها من خلال إطلاق مشاريع قاعدية واجتماعية تؤسس للمستقبل، الأمر الذي يفرض في كل مرة التأكيد على وضع المدرسة بهويتها الجزائرية خارج الاعتبارات الظرفية باعتبارها مكسبا ثمينا للمجتمع بتنوعه واختلاف أفكاره لمواجهة العولمة وإفرازاتها.
وتمثل المدرسة بكافة أطوارها القاطرة التي تشق الطريق أمام مشاريع التنمية خاصة في الهضاب العليا والجنوب ولذلك تتطلب إحاطتها بالاهتمام من خلال الوقوف على الواقع بكل صعوباته واختلالاته والإتيان بالحلول عن طريق الحوار الجواري الواسع والمسؤول وانخراط الجميع بما في ذلك الجماعات المحلية في برنامج تأهيل وترميم وتعزيز المدرسة التي تمثل الخط الأول لمواجهة التخلف بكل أنواعه وإشاعة الوعي وتأسيس قيمة المواطنة من جهة والتزام المعلمين والأساتذة برسالتهم المهنية بصدق وتفان من جهة أخرى.
وبالفعل حقّق خيار الحوار الاجتماعي داخل القطاع بإشراف الوزيرة نورية بن غبريت بمجهود مستمر من مساعيدها نتائج ملموسة توصّل إليها الشركاء خاصة النقابات المختلفة وجمعيات أولياء التلاميذ، مما أدى إلى إبعاد شبح الإضرابات التي أضرت بالتلاميذ في سنوات مضت وأعادت المدرسة إلى وضعها الأصلي في انتظار المزيد من المكاسب خاصة على صعيد إدخال تكنولوجيات الاتصال الجديدة وتوسيع دائرة اللغات الأجنبية من إنجليزية وإسبانية وألمانية وروسية وغيرها من أجل تأمين انفتاح متوازن على العالم وكسر تبعية لغوية أظهرت محدوديتها خاصة في تأسيس اقتصاد المعرفة.
لقد أعطى كل هذا نموذجا في جدوى الحوار ضمن الأطر القانونية والشفافية مما يدفع إلى توقع نتائج دراسية جيدة هذه السنة حتى وإن كانت مؤشرات الفصل الأول تدعو إلى القلق، مما يقود بلا شك إلى الحرص على تعزيز الأداء التربوي والتعليمي في المناطق الريفية والمعزولة في هذه الولاية وغيرها من ولايات الداخل، حيث يجب الرهان على المدرسة لمواصلة بناء المجتمع وفقا لمعايير التميز التي تدفع بالكفاءات مهما كان وضعها الاجتماعي لتبوإ مراتب متقدمة.
وبالموازاة مع ما تدره قطاعات اقتصادية مثل المحروقات والمناجم إلا أن المدرسة تبقى المنجم الأول الذي يعتبر أسمنت الاقتصاد وضمانة النمو بتوفيره للموارد البشرية المؤهلة وذات الكفاءة التي يتطلبها النمو القائم في الجوهر على عنصر القيمة المضافة التي تفجرها الطاقات البشرية العليمة والفنية والأدبية.