حرص دستور 2016 أن يكون قاسما مشتركا بين الجزائريين الذين إستبسشروا بمضمونه من أجل إثراء مواده باتجاه إحداث التوازنات الكبرى بين السلطات وضمان السير الحسن للمؤسسات بتوضيح مسار صناعة القرار، وفق الصلاحيات الممنوحة لكل جهة بدءا من المجالس الشعبية البلدية إلى غاية المستويات الأعلى.
وكل الاقتراحات الصادرة عن الشركاء السياسيين أو عن أطراف ناشطة في الفضاء المجتمعي كانت محل عناية من قبل الجهات المشرفة على هذا المسعى قصد الإحاطة دستوريا بالتفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأدرجت هذه التوجهات وفق نظرة قائمة على مفاهيم دقيقة فيما يتعلق بالعناوين الكبرى في إدارة الشأن العام وهذا بمنح الأولوية للإجماع تجاه المؤسسات المقترحة لأداء المهام المخولة لها خدمة للدولة الجزائرية..مع تعزيزها بقوة المسؤولية في الارتقاء بالفعل المؤسساتي.
وكل تلك المؤسسات الواردة في الدستور الجديد هي آليات مدعمة بالقانون فيما بعد زيادة على تسييرها بالنصوص التطبيقية في مراحل أخرى ترمي في أبعادها إلى تعميق جملة من القيم السياسية كتعميق مبادئ الديمقراطية والتعددية الحرية، العدالة الاجتماعية، المساواة، تكافؤ الفرص، التضامن، الحماية، التكفل بالمواطن، العلاج المجاني، تنقل الأشخاص، حق الدفاع، السلم المصالحة، حقوق الإنسان، التعليم، التكوين، الأمن والاستقرار، وغيرها من الضمانات التي جاءت مؤطرة تأطيرا مؤسساتيا وافيا من ناحية الالتزامات.. تكون عبارة عن مرجعيات واضحة بالنسبة للإدارة التي تتعامل مباشرة مع هذه القيم المذكورة سالفا، التي أدرجت في أسمي وثيقة للبلاد، ألا وهي الدستور.
هذا العمل السياسي البعيد المدى إنما يترجم في الأساس قوة مؤسسات الدولة في رؤيتها المبنية على إيلاء للمواطن الأولوية كل الأولوية في توفير له حاضنة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تتسم بطابع الديمومة انطلاقا من إضفاء عليها الطابع الدستوري لم تكن حاضرة في الدساتير من قبل 1999، نظرا للخيارات الاقتصادية آنذاك خاصة خلال الثمانينات والتسعينات بتقليص التغطية الاجتماعية.
ما بعد 1999، أولت المبادرات المتوجهة إلى تعديل الدستور اهتماما فريدا لمهام الدولة في إدارة شؤون العامة وهذا بالعودة إلى تقريب المؤسسة من المواطن، وهنا ظهر ذلك التفاعل بين كل الجهات المعنية عند تغيير هذه المعادلة نحو الفعل الإيجابي.
والمؤسسات ذات الطابع الاستشاري، المذكورة في دستور 2016، تدعّم هذا التوجه من خلال تعميق كل تلك القيم على أن تكون المجالس والهيئات فضاء واسعا لإثراء ذلك النقاش وإعداد تقارير مفصلة فيما يتعلق بالشؤون المختلفة للمواطن لاتخاذ القرار الصائب لترقية موقعه في المجتمع وفي شتى الهياكل المعنية بالعملية السياسية.
هذه المنطلقات الفكرية والأيديولوجية هي رصيد لعبقرية الشعب الجزائري في بناء دولته الوطنية الممتدة في أعماق التاريخ والتي كانت دائما قائمة على المقاومة والنضال والكفاح لإضفاء ذلك الطابع الخاص عليها المستمد من المواثيق الأساسية للثورة الجزائرية منها محتوى بيان أول نوفمبر وأرضية الصومام وكل ما تعلق بالأدبيات السياسية والاجتماعية للدولة الجزائرية.
هذه التراكمات المقاومتية والنضالية المؤدية إلى الاستقلال، ماتزال آثارها راسخة في الإنسان الجزائري الذي يترجمها في سياسات قطاعية تراعي مكانة المواطن في أكثر من مشهد سياسي أو اجتماعي وهذا في حد ذاته الإطار الذي حدده الدستور الحالي، في إقامة منظومة قيم ثابتة.
القيم “ الدستورية”
جمال أوكيلي
06
فيفري
2017
شوهد:561 مرة