رحل الاستعمار الفرنسي عن الجزائر سنة 1962 و لكن حربه على الشعب الجزائري لم تتوقف عند ذلك التاريخ وجرائمه ظلت متواصلة لسنين طويلة بعد الاستقلال وهذا بسبب الألغام التي زرعها على طول الحدود الشرقية والغربية للجزائر على طول ألاف الكيلومترات المربعة التي كانت كلها مفخخة بحوالي 9 مليون لغم و الأخطر من ذلك كله أن تلك الألغام لم تتأثر بالعوامل الطبيعية فلم تتأكسد تحت تأثير العوامل المختلفة علاوة على أن هناك نماذج منها لا يمكن رصدها بكاشفات المعادن مما يعني أن تهديدها و خطرها كان سيبقى لأجيال متلاحقة و كانت ستحصد المزيد من أرواح الجزائريين للمئات من السنين القادمة، ما يثبت أن عملية القضاء على الألغام لم تكن مجرد حملة عابرة و لكن إدراكا عميقا من طرف القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي بحجم خطرها على أرواح الجزائريين وضرورة القضاء عليها إلى آخر لغم، لهذا أطلق الجيش الوطني الشعبي بعد الاستقلال مباشرة أولى عمليات تطهير أرض الشهداء من دنس و مخلفات الاستعمار الفرنسي متمثلة في تلك الآلات الجهنمية القاتلة و سيشهد التاريخ أن هذه العملية تمت بسواعد جزائرية خالصة فحتى الحكومة الفرنسية لم تكلف نفسها عناء تقديم وثائق أو خرائط تساعد الشعب الجزائري على التخلص مما خلفته له من خراب و مفخخات، لكن رغم ذلك رفعت الجزائر المستقلة وجيشها الفتي التحدي وتحملت الوحدات المتخصصة لهذا الجيش المسؤولية و باشرت العملية التي تكللت نهاية العام الماضي بالقضاء نهائيا على آخر لغم من أصل 9 ملايين وحدة تقريبا زرعها الاستعمار الفرنسي في الأراضي الجزائرية وبفضل ذلك أصبحت آلاف الهكتارات من الأراضي الخصبة قابلة للاستغلال و الزراعة مجددا بعدما كانت بالأمس القريب بؤرا للموت لا تسول لك نفسك حتى التقرب منها.
العلامة الكاملة للجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني على هذا الانجاز الذي يضاف إلى سجل إنجازاته المتعددة التي تصب جميعها في خدمة الوطن و حماية المواطن من كل الأخطار المحدقة و التضحية بالنفس من أجل الجزائر و يكفيه فخرا أنه يضم في صفوفه شبابا في عمر الزهور رفعوا تحدي المجازفة بأرواحهم للقضاء على تلك الألغام لكي لا تنفجر في شخص آخر أليست هذه قمة الإيثار التي تعتبر من أسمى الأخلاق التي أمرنا بها ديننا الحنيف ؟ و لم يقتصر الأمر على هذا فقط فبلغة الحسابات و الأرقام وفرت هذه العملية الملايين من الدولارات على الخزينة العمومية التي كانت ستكلفها تلك العملية لو لم تسند إلى الجيش الوطني الشعبي الذي يبقى صمام أمان الجزائر من كل التهديدات و الأخطار مهما كان حجمها.