أنهت الجزائر العملية الطويلة والشاقة من جانب والبطولية والرائدة من جانب آخر لنزع وتدمير الألغام المضادة للأفراد والجماعات الموروثة عن الحقبة الاستدمارية. وأبدى الجيش الوطني الشعبي إرادة صلبة لرفع التحدي الذي بدأه سلفه جيش التحرير الوطني منذ بداية جيش وإدارة الاحتلال في خضم ثورة التحرير المجيدة بزرع حقول وفضاءات وربوع بوسائل الموت الغادرة خاصة من خلال إقامة خطي شال وموريس الجهنميين.
ويستحق نازعو تلك الألغام جيلا بعد جيل كل التقدير والتبجيل لما أظهروه من رباطة جأش وقدرة على التحمل وجاهزية نادرة لركوب الخطر وتجاوزه قناعة أن المهمة تندرج في إطار استكمال تطهير التراب الوطني شبرا شبرا من بقايا الموروث الاستدماري، وأبرزها شرا وضررا وإرهابا تلك الألغام الفتاكة التي بعد أن حصدت أرواح أبطالنا من الشهداء والمجاهدين المعطوبين الأحياء واصلت مسلسلها الإجرامي الغادر باستهداف المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء على امتداد حدودنا الشرقية والغربية.
وتم الإبقاء على مواقع أصلية لخطي الموت شال وموريس في الغرب والشرق حتى تكون شاهد عيان على بشاعة تلك الحقبة المظلمة وبمثابة متحف مفتوح واصلي يؤسس لثقافة تامين الذاكرة الجماعية وتطعيمها للأجيال المستقبلية خاصة في ظل تداعيات العولمة السلبية.
وتشكلت أول نواة لنازعي الألغام ومدمريها زمن جيش التحرير لتبرز قوة سلاح هندسة القتال مع تحوله مباشرة بعد استرجاع السيادة الوطنية إلى الجيش الوطني الشعبي كمؤسسة دستورية في طليعة البناء والتنمية إلى جانب تولي المهام التقليدية لها. وخاض الرجال بعيدا عن الأضواء وفي صمت يعكس ثقل الواجب تجاه الأمة والتاريخ وتدعيم مسار المستقبل معركة قاسية لاستعادة آلاف الهكتارات وتطهيرها من قنابل الحقد والكراهية التي خلفها النظام الاستعماري كتعبير عن نزعة انتقام من شعب تصدى لمخططاته وانحاز طواعية وكلية إلى صف ثورة أول نوفمبر التي زعزعت المستعمر وكافة أدواته.
نازعو الألغام يمتازون بمجموعة قيم إنسانية راقية أبرزها الشجاعة وقوة التحمل والصبر والتركيز في العمل مما أضفى عليهم احترافية رغم قلة الوسائل في السنوات الأولى قبل أن توفر لهم قيادة الجيش الوطني الشعبي الوسائل واللوازم التقنية الفينة ومرافقتهم بالتكوين المتواصل. ولذلك كانوا بحق مقاتلين بلا سلاح يتقدمون بصدور عارية إلى حقول الموت لتحريرها من وسائل فتاكة كان لزاما التخلص منها وفقا لخيار سطرته الدولة مبكرا وكرسه انضمام الجزائر إلى إتفاقية “اوتاوا” ضمن انخراط الجزائر في توجه العالم لإزالة هذا الخطر وإحلال مناطقه بمشاريع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن هذا الإنجاز بتخليص التراب الوطني من بقايا الاستدمار وبإمكانيات وطنية وبسواعد أبناء الشعب الجزائري هو خير جواب على من يحاولون القفز على حقائق التاريخ وتزييفه وبالأخص لمتزعمي تمجيد الاستعمار ليروا عن كثب ما ارتكبه آباؤهم من حيث درجة الخطورة والأضرار التي لحقت بالأبرياء الذين كان بإمكانهم النجاة لو سلمت إدارة البلد المستعمر مبكرا الخرائط الدقيقة والبيانات الميدانية للحقول التي لغمتها فيقتصد الجهد والوقت ويقل عدد الضحايا.