أظهرت التقلبات المناخية - التي جلبت معها خيرا وفيرا من خلال ارتفاع معدل تساقط الأمطار وكذا الثلوج بما يتوقع أن تكون سنة فلاحية جيدة - وجود خلل في حركية الأسواق التجارية للخضر والفواكه، حيث سجّلت ندرة في بعض المنتجات وتأخر مثير للتساؤل في تدخل نظام الضبط مما أدى لارتفاع فاحش في الأسعار، واستغل بارونات السوق، الظرف لتكريس هيمنتهم على العملية التجارية بأسواق الجملة والتجزئة. ولا يمت الخلل بصلة لمعطيات الإنتاج والوفرة بقدر ما يعود إلى غياب آليات فعالة تربط بين مختلف الحلقات المتدخلة في تموين السوق حتى خلال مثل هذه الظروف التي يستغلها البعض للتلاعب بالأسعار، بينما يفرض واجب مهنة التاجر على كافة المستويات والتزامه تجاه المستهلك بأن يؤدي دوره وفقا للمعايير الاحترافية وضمن قواعد الشفافية حماية لتوازن السوق، وبالأخص القدرة الشرائية للمستهلك الذي يمثل المصدر الأول لدخل التاجر. وفي ظل مقاومة النشاط التجاري الموازي وانتشار المضاربة بكل ما يرافقها من غض وتلاعب بالميزان، يعود الحديث مجدّدا عن أدوات المراقبة والتنظيم في الاتجاهين العمودي والأفقي انسجاما مع القواعد السليمة لاقتصاد السوق، الذي يرتكز على محورين الأول حرية العمل، والثاني ضبط النشاط من خلال إلزام التجار بإشهار الأسعار علنية وبوضوح والعمل بنظام الفواتير لتتبع مسار المنتوج وتحديد هامش الربح. إنّ أكبر تحد أمام الجهات المكلفة بتنظيم وضبط الأسواق الغذائية خاصة خلال هذه السنة الصعبة بالنظر لانعكاساتها على القدرة الشرائية التوصل إلى تطبيق آليات الضبط وفقا لأبجديات المنافسة النزيهة، بحيث يجب أن تصل الأسواق إلى مرحلة تبرز فيها احترافية المتدخّلين، ويمكن حينها بعد إزالة مواقع الظل في العملية التجارية تحديد هامش كل طرف. لقد وفّرت السّلطات العمومية إمكانيات معتبرة بانجاز أسواق منظمة وإطلاق المبادرة في المجال التجاري ومرافقة الباعة، غير أنّه لا يمكن أن تستمر حالة بقاء أسواق الجملة خارج إطار الرقابة، إذ منها يبدأ إصلاح السوق وتأسيس ثقافة المعاملات النزيهة تماما كما هو جار في بلدان عريقة في التجارة الحرة. ولا يقصد باقتصاد السوق فوضى النشاط وترك الأسعار عرضة للتاجر مهما كان نفوذه بقدر ما يعني في الجوهر حرية العمل ضمن ضوابط الاحترافية، وتأمين الخدمة العامة بما يصب في نهاية المطاف مساهمة شريحة التجار، الذين أحيوا الذكرى الـ 60 لإضراب الثمانية أيام استجابة لمتطلّبات مقاومة الوجود الاستدماري وكعربون وفاء والتزام بالثورة التحريرية المجيدة.