تعتبر المدينة التي تحتضن العاصمة لأي بلد وليس للجزائر فقط الواجهة الرئيسية و الأولى لهذا الأخير و بالتالي الانطباع الأولي الذي يتشكل عن أي بلد يبدأ من عاصمته.
إن الجزائر العاصمة التي كانت تسمى في وقت غير بعيد بالجزائر البيضاء لم تعد للأسف كما كانت و هذا بسبب تراكمات سنوات طويلة من الإرهاب الدموي الذي ضرب كل مناطق الوطن و لم تكن العاصمة فيه الاستثناء، حيث عرفت نزوح أمواج بشرية هائلة من المواطنين الفارين من جحيم الإرهابيين أجبروا على ترك مداشرهم و قراهم و اتجهوا إلى حواف العاصمة للاستقرار في الأكواخ و بيوت القصدير حفاظا على غريزة البقاء و لكنها تحولت لاحقا إلى بؤر شوهت وجه العاصمة و الأمر لم يقتصر على ذلك فقط فسنوات الإرهاب الهمجي جعلت من العاصمة البيضاء مدينة الحياة و السلام و وواحدة من رموز المتوسط تتحول إلى مدينة أشباح بمجرد إسدال الخيوط الأولى من الليل و هذا بسبب الخوف و الذعر الذي تملك الناس و جعلهم يفرون إلى منازلهم قبل حلول الظلام.
اليوم لم تنتهي تلك المخلفات نهائيا وهناك بعض المظاهر غير المريحة لا تزال موجودة، فالعاصميون لم يتخلصوا بعد من سلوكات وتصرفات فرضتها عليهم الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد و الجميع يشاهد وهو يتجول في العاصمة مساء كيف أن شوارعها وأزقتها تكاد تخلو من الحركة في ساعات المساء الأولى و يشاهد فضاءات الترفيه و الثقافة توصد أبوابها بالإضافة إلى المحلات التجارية التي تسدل ستائرها الفولاذية مبكرا في مشهد مناف تماما لما يجب أن يكون عليه الحال في مدينة بحجم مدينة الجزائر العاصمة.
يبدو أن المعركة الحقيقية اليوم هي بعث عاصمة البلاد وتحويلها إلى جوهرة المتوسط وهي تمتلك كل المؤهلات لتكون كذلك وهنا ورغم النقائص الكبيرة لا يسعنا إلا أن نثمن المجهودات التي تقوم بها سلطات ولاية الجزائر وعلى رأسها والي العاصمة السيد عبد القادر زوخ الذي نزل ضيفا على منتدى جريدتنا أمس وأطلق من هناك رسائل تبعث على الأمل والاطمئنان في اتجاه عاصمة بأفضل حال وأحسن وجه و هذا ما يعكس وجود إرادة سياسية قوية على أعلى مستوى عبر عنها الوالي زوخ من أجل جعل مدينة الجزائر عاصمة بمواصفات عالمية وهذا من أكبر التحديات التي يجب أن ترفعها سلطات ولاية الجزائر لتكون مزغنة عاصمة بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني ودلالات.
