تعيش تونس مرحلة تكريس الاستقرار السياسي من خلال تثبيت خيار التوافق بين الشركاء من كافة الأقطاب، بما في ذلك حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي، الذي أعلن منذ البداية قناعته بعدم السقوط في محاذير احتكار السلطة بداعي الأغلبية الانتخابية، مفضلا حماية التوازنات الحزبية انسجاما مع التوجهات الشعبية المتمسكة بثوابت الحريات والعدالة والمواطنة الرافضة للتطرف ضمن نسيج الهوية المحلية.
كان لحركة النهضة، غداة سقوط «نظام بن علي»، مساهمة في عمق إعادة بناء التغيير بأقل التكاليف وتجاوز تداعيات ما يوصف «بالربيع العربي»، بحرص قيادتها على اتباع مسار الالتزام بإرادة الشعب التونسي في بناء التحول الجديد، بعيدا عن السقوط في فخ الغرور بامتلاك الأغلبية التمثيلية في المؤسسات، والقبول بتقديم تنازلات لشركاء العملية الديمقراطية ومن ثمة وضع تونس على السكة الجديدة من أجل إعادة البناء وبعث التنمية. وأدرك الغنوشي، صاحب المسار النضالي الطويل والمتفتح على محيطه الإقليمي، منذ البداية، أن تأمين مكاسب التغيير بالحد من نتائجه الوخيمة - مثلما هي واقعة في بلدان أخرى لم تخرج من دوامة العنف والانقسام - مسألة جوهرية قوامها الحفاظ على الأمن ببعديه الداخلي والإقليمي ومن ثمة تحصين حسن الجوار وتنمية قدرات التعاون في كافة المجالات لإبعاد أي شبح لخطر محتمل يتهدد كل المنطقة، خاصة وأن الأوضاع في ليبيا الشقيقة لاتزال طارئة تتطلب تعزيز اليقظة إقليميا وإجهاض كل محاولة مناوئة لعودة الأمن والسلم في المنطقة.
في هذا الإطار، لم تدّخر الجزائر جهدا من أجل مرافقة بلدان المنطقة في لملمة أوضاعها الداخلية، على أساس تغليب المصلحة الوطنية للشعوب والتضامن الإقليمي في مواجهة الخطر الذي يستهدف كافة بلدان المنطقة، للدفع بها إلى التراجع في مجالات التنمية والتطور وتبديد ثرواتها وتعطيل النمو فيها.
لعل الشراكة القائمة مع الشقيقة تونس، خير مثال يجسد صدق النوايا ويترجم قرب الشعوب من بعضها أمام ما يدور في المنطقة على امتدادها، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، حيث يشكل الخطر الإرهابي - الذي يندرج في إطار توجه لقوى دولية تسعى إلى استهداف الدولة الوطنية - الهاجس المشترك. لذلك، كان لزاما تفعيل مسار البحث عن الانفراج السياسي في ليبيا والتضييق في نفس الوقت على تحركات الجماعات الإرهابية لإسقاط كل مخططات يتربص أصحابها بمكسب الاستقرار الإقليمي ومحاولة تشتيت الإمكانات واستنزاف الدول، في وقت تتعاظم فيه متطلبات التنمية المستدامة وترتفع مستويات احتياجات المواطنين والتي لا يمكن مواجهتها سوى بإطلاق قطار الاستثمار والمبادلات المتوازنة وفقا لمعادلة تكافؤ المصالح.