حقوق غير قابلة للتصرف

فنيدس بن بلة
17 جانفي 2017

لم تحدث في مؤتمر باريس حول السلام في الشرق الأوسط النقلة النوعية المنتظرة التي تدولتها الصحافة بإسهاب وعالجها المحللون بتمعن وبعد الرؤى والرؤية.
انتهى المؤتمر، الذي حضره ممثلو 70 دولة من مختلف أنحاء المعمورة من حيث بدأ، مكتفيا بإرسال وعود جافة وأماني لا تقوى على تحريك الوضع الستاتيكي للملف ولم تقدر على وضع حدّ للتحدي الإسرائيلي المتمادي في سياسة تجاهل اللوائح والقرارات الأممية على حل الدولتين، آخرها قرار مجلس الأمن المشجب لاستيطان غير معترف به بصفته أكبر حاجز أمام استئناف المفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، تنفيذا لما اتخذ من تدابير التسوية وإقرار الحق الفلسطيني كاملا غير منقوص، عكس ما نادت به الدولة صاحبة المبادرة، بأنها ستقرر الاعتراف بالتمثيل الدبلوماسي في حال تمادى التعنّت الإسرائيلي.
تراجعت فرنسا خطوتين إلى الخلف مقدمة تطمينات للطرف المحتل بأن المؤتمر لن يتخذ أي شيء يدخل في إطار الاعتراف بالإجراءات الأحادية التي قد تتخذ من هذا الطرف أو ذاك. وهي رسالة غير مشفّرة تخص الطرف الفلسطيني أكثر، بصفته المصمم على الذهاب إلى الأبعد في طلب العضوية بالأمم المتحدة كاملة واقتحام المنظمات التي تعترف غالبيتها القصوى بدولة فلسطين.
هي رسالة موجهة إلى الطرف الفلسطيني الذي أسمع العالم قاطبة بنفاد صبره ولم يعد يستطيع التحكم في الذات أمام “المدللة” سرائيل، التي تنتهك الحقوق الفلسطينية ليل نهار وتتحدى المجموعة الدولية دون لومة لائم أو خشية أحد.
الطرف الفلسطيني، الذي انتفض على التردد، أدرك حقيقة المقاربة الأخرى الأكثر استقامة والأقصر مسافة في جلب الاعتراف الدولي وتبادل التمثيل الدبلوماسي، غير عابئ بالتداعيات والنداءات باستئناف مفاوضات لم تعد تجدي نفعا.
قالها أكثر من مسؤول قيادي فلسطيني وكررها أمام الملأ، أنه أخذ من الوقت ما فيه الكفاية منتظرا الطرف الإسرائيلي العدول عن سياسة الهروب إلى الأمام والتمادي في الاعتداءات والاستفزازات، مولدا حالة من الغضب الهادر في فلسطين وغير فلسطين، فاتحا المجال لاضطرابات وتهديدات من شأنها المزيد في لاإستقرار المنطقة الواقعة على فوهة بركان.
من هذه الزاوية، حذرت الجزائر من أية مغامرة إسرائيلية أخرى، محمّلة المجموعة الدولية مسؤولية الضغط المركز على الطرف المحتل، الذي داس على عشرات القرارات واللوائح حول حل الدولتين المتعايشتين جنبا إلى جنب بالشرق الأوسط، منها مبادئ ذات الصلة بمؤتمر مدريد للسلام والمبادرة العربية “الأرض مقابل السلام”.
لكن كل هذه القررات تبقى حبيسة الإرادة الإسرائيلية المتعنّتة المستمرة في المناورة والمؤامرة على مسعى التسوية، الخيار الوحيد الكفيل بحل الدولتين المخرج الآمن لاستقرار منطقة تهتز على وقع اضطرابات وانفجارات ونزاعات لا تهدأ، ما دام الطرف المحتل يقرّ بعدم الاعتراف بما وقع عليه في مفاوضات سابقة، تبقى المسؤولية الثقيلة على المجموعة الدولية الخروج من الصمت الرهيب والضغط بما أوتيت من قوة ونفوذ من أجل تلبية الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، يتصدرها الحق في إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024