الأرقام المعلنة يوميا عن حوادث المرور والاختناق بالغاز لا تثير أي يقظة لدى الرأي العام للتحلي بالتعقل في قيادة السيارات، والاتّباع الصّارم للإرشادات في تفادي الموت نتيجة استنشاق ثاني أوكسيد الكربون.
هذه الصّور الكارثية تمرّ علينا مرور الكرام، ولا تحرّك فينا أي رد فعل إيجابي تجاه ما يحدث، وهكذا دخلت فيما يعرف بـ «العادة طبيعة ثانية»، سواء ما تنقله الومضات الإشهارية عبر الشّاشات الصّغيرة أو عبر الإعلام المكتوب أو ما يوزّع من مطويات تحذيرية لا أحد يطّلع عليها، مباشرة يلقى بها في زاوية من زوايا وجود هذا الشّخص.
هذه الذّهنية المبنية على التهاون والأكثر من هذا اللاّمبالاة أدّت للأسف إلى ما نحن عليه اليوم من مأساة حقيقية لم نجد منفذا لها.
وعليه لسنا هنا بصدد إحصاء الموتى والإصابات، وقراءة الأرقام التي هي في تصاعد بالرغم من كل هذا التّشريع القانوني الذي اجتهد فيه المختصّون من أجل تأطير هذه الظواهر من ناحية التحكم في سيرورتها، ولا تنفلت من الدائرة المحدّدة في التّعامل معها.
هذه المنظومة من الفعل الإعلامي والقانوني لا تجد صداها لدى الإنسان، لماذا يا ترى وصلنا إلى هذا المستوى من سدّ الأذان؟ وكأنّ الأمر لا يعنينا أبدا.
هذا ما نودّ طرحه في هذا الملف رفقة مراسلينا في عين المكان أي عبر الولايات، وهذا بالتركيز على الإشكالية التالية: ما هي الأسباب الكامنة وراء عدم الإكتراث بما يحدث في يومياتنا من حوادث المرور والاختناق بالغاز؟
إنطلقنا من هذا التّساؤل بحثا عن إجابة وافية وردّ شاف من قبل مختصّين في قطاعات علمية خاصة بإمكانها أن تقدّم تلك الإضافة الخاصة بشروحات مستفيضة بإمكان الجهات المعنية الأخذ بها، تتوجّه بالأساس إلى التفصيل في خلفيات الجوانب النفسية التي تعترض أي استعداد أو تقبّل لما يقوله الآخر للسائق أو المتوفّر على أجهزة التدفئة بالغاز في منزله أو في أماكن أخرى.
والمؤشّرات الأولية لهذه الإنزلاقات توحي بأنه من الصّعوبة بمكان الانتقال إلى بدائل أخرى، التي تحل محل التحسيس والتوعية والردع، لأنّ القضية أعمق من ذلك كون الجانب النفسي هو العمود الفقري لأي مبادرة في هذا الشأن، فكيف نستطيع التأثير على الأشخاص بأنّ هذه الحوادث تتطلّب الكثير من روح المسؤولية من أجل عدم الوقوع فيها؟ وما هي الآليات المعمول بها؟