جدد الوزير الأول عبد المالك سلال، من باماكو، التأكيد على موقف الجزائر الثابت من قضايا المنطقة وتعقيداتها، مرافعا للحلول السياسية لكل النزاعات تتولاها الأطراف المعنية بلا ضغوط، إكراهات الخارج ووصفاته وإملاءاته. هي مقاربة ذكّرت بها الجزائر في مختلف المحافل الدولية من أعلى القمم، مقتنعة حد الثمالة، أنها خارطة الطريق الوحيد في تسوية النزاعات، مهما تعقدت وتوسعت والتجارب تثبت ذلك وهي الشاهد الحي.
إنها مقاربة رافعت بلادنا لتجسيدنا من قمم الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وخاضت في سبيلها معارك دبلوماسية رسخت الثقة بين المتنازعين وأقنعتهم بجدوى الجلوس إلى طاولة واحدة لمقارعة الواقع الساخن والجدل بالتي هي أحسن ومجابهة التوترات بأعصاب هادئة ورؤية استشرافية تحضر للآتي بروح المسؤولية وما يمليه الواجب السياسي.
حدث هذا مع مالي، التي نجحت في طي صفحة أليمة من التوتر بعد جلسات حوار لعبت فيها الوساطة الجزائرية الدور الحاسم والفاصل. وشرعت في البناء الوطني بترسيخ قيم السلم والمصالحة المتضمنة في اتفاق تاريخي وقع ربيع العام الماضي، لازالت صداه وتداعياته الإيجابية مرجعية لدول تغرق في الفوضى والتآكل والتناحر الداخلي.
وشكلت مالي محطة مرجعية لدول الجوار للشروع في مسعى التفاوض، واضعين في الحسبان مصلحة البلد الأعلى وفوق كل اعتبار، مؤكدين أن الوطن أغلى من أن يبقى أسير التناحر الأعمى والسير في اتجاه المجهول والسقوط في أجندات، غايتها رهن الاستقرار، السلم والوحدة.
على هذا الدرب تسير الأطراف الليبية وتنخرط في جولات الحوار التي احتضنتها الجزائر المرافقة لجهود المفاوضات، مقدمة ما عليها في سبيل استعادة البلد المجاور هدوءه وعافيته والعودة إلى سابق عهده من الاستقرار المؤمن لسد فجوات تتخذها الجماعات الإرهابية للتسلل والانتشار في منطقة الساحل وما تحمله من مخاطر انتشار الجريمة المنظمة العابرة للحدود والأوطان. وهي جرائم تشكل مصدر تمويل لشبكات الإجرام والموت، الأخطبوط الخطير الذي حذرت بلادنا منه منذ زمان ودعت إلى مجابهته بأقصى درجة الصرامة، بعيدا عن الانتقائية وسياسة المكيالين.
غير بعيد عن قمة باماكو، دعت الجزائر إلى تجريم دفع الفدية لتجفيف منابع الإرهاب الذي يجب محاربته برؤية شاملة وحلول لا تتوقف عند المقاربة الأمنية الضيقة. وهي محاور ضمن استراتيجية إرادتها أن تكون فاعلة لا تتوقف في الزمان والمكان تجد اعتراف العالم. وما ورد من رسائل وتصريحات إشادة بالدور الريادي للجزائر في اقتراح الحلول للنزاعات الإفريقية وغير الإفريقية إلا البرهان.