تحافظ سوق النفط على استقرار أسعار البرميل حول سعر يتجاوز 55 دولارا بعد أن تأكد التزام أعضاء «أوبيك» والبلدان المنتجة من خارجها بقواعد اتفاق الجزائر لتخفيض الإنتاج، إدراكا لخطر انهيار السوق في وقت تزداد فيه متطلبات التنمية في كافة البلدان واتساع دائرة خطر تراجع السيولة بالنسبة لكبار المنتجين. المؤشرات المسجلة مع نهاية الأسبوع تعزز مسار عودة انتعاش الأسعار- بعد أن تراجعت قليلا من 58 إلى حوالي 56 دولارا- في ظل مناخ ايجابي كرسه اجتماع أبو ظبي قبل يومين، حيث تجددت إرادة حماية السوق النفطية على أساس المصلحة المشتركة للمنتجين والمستهلكين ضمن معادلة متوازنة للعرض والطلب تجسدها مؤشرات مستقرة من حيث الإنتاج والأسعار. وتتابع الجزائر تطورات مسار بعث انتعاش السوق ضمن الرواق الذي سطره لقاء الجزائر الخريف الماضي وأثبت نتائجه بعد ذلك اجتماع فيينا، بحيث بادرت بتخفيض الحصة المسطرة وتحافظ على دواليب الحوار داخل التكتل البترولي وحوله لمنع أي تعثر أو انسداد محتمل قد يهدد السوق مجددا. وأظهرت إرادة الانفتاح التي أطلقتها الجزائر برعاية مباشرة من رئيس الدولة مدى نجاعة الدبلوماسية الاقتصادية في تفكيك عقدة السوق وحلحلة العلاقات بين الشركاء من أجل مكسب المصلحة المشتركة، بما في ذلك مراعاة مصلحة الزبائن الذين يحققون من خلال شركاتها العملاقة بحكم العلاقة الجدلية عوائد مالية كلما ارتفعت الأسعار. وحتى الطرف الأكبر إنتاجا في المنظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبيك» السعودية- التي غيرت مندوبها في المنظمة- تبدو حريصة على حماية السوق المرشحة للانتعاش أكثر، خلال السنة الجارية، وهو ما تؤكده فنزويلا من جانبها، تماما مثل العراق الذي يدعو إلى رفع الأسعار إلى 65 دولارا على الأقل. وبالطبع زيادة على هذا فإن هناك عوامل اقتصادية حاسمة تساعد على تحسين وضعية السوق من جانب ارتفاع الطلب خاصة من الصين والهند حيث يراهن على تحسن مؤشر النمو لإعطاء دفع للاقتصاد العالمي الخاضع للركود، منذ سنوات الأزمة المالية العالمية التي فجرتها أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية قبل حوالي عشرية.
لكن، وعلى اعتبار أن السوق لا تخضع لميكانيزمات العرض والطلب فقط، إنما تحكمها أيضا وبنسبة معتبرة عوامل جيوبوليتيكية أخرى تساهم في هذا التوجه مثل تكريس توافق القوى الكبرى بشأن الأزمة في سوريا وتضييق الخناق على الجماعات الإرهابية، التي لطالما سيطرت لسنوات على حقول النفط في بؤر الحروب وفضاءات الفوضى إلى درجة أنها في مناطق معينة مثل سوريا وتصرفت بحجم أثر على الأسعار قبل دحرهم.
أظهرت إرادة التسوية الدبلوماسية للأزمات وفتح آفاق الحوار السياسي في بؤر النزاعات الداخلية والإقليمية- كما هو الحال في ليبيا - حيث يتجه الموقف إلى «الانفراج» بمساهمة بناءة من الجزائر لمرافقة الفرقاء في هذا البلد الشقيق نحو إدراك شاطئ السلم والتنمية- مدى أهمية تقاطع الدبلوماسية والاقتصاد إقليميا ودوليا من أجل مصلحة كافة الشعوب ومواجهة قضايا لا تحكمها حدود مثل النزوح البشري وتلوث المناخ وارتفاع مستوى العنصرية والتطرف في مجتمعات كانت بالأمس مرجعا للتعايش والحرية وبلغت مراحل متقدمة في الرفاهية والتطور العلمي والتكنولوجي.
هل هي بداية الانفراج؟
سعيد بن عياد
14
جانفي
2017
شوهد:475 مرة