المشروع الذي أعلن عنه الفنان حميد بارودي مؤخرا بنية الانطلاق في تصوير فيلم وثائقي يرسم فيه حياة ومسار الرجل الأزرق، عثمان بالي رحمه الله، نظير عمله لأكثر من عقدين على استظهار الموروث الأمازيغي التارقي، والتأريخ له من خلال الأغاني التي كانت تذاع على المسارح والقاعات وطنيا ودوليا، صانعا بتلك الوثبة الفنية محطة قلما تكررت في الصحراء الجزائرية ذات الامتداد التارقي والامزادي.
وظلت محفوظة في الأثيرالإذاعي والحصص التلفزيونية .
الفكرة مهمة جدا، ومجهود يجب أن يثمن لصاحبه، خاصة وأن الغاية جاءت من شخصية فنية تؤمن برسالتها الإبداعية باعتبارها تنفض الغبار عن قامة صنعت أفراح الوطن، ورسخت القيم التراثية ذات البعد الوطني، مانحا للمكتبة الفنية رصيدا غنائيا لا يستهان به.
في الحقيقة فإن تذكر فنان لرفيق دربه الفني والغنائي مرحب بها مهما كان الظرف أو الغاية، أمام العجز، أو منطق الصمت من الجهات الوصية في استحضار العديد من الأمجاد والوجوه الفنية ممن غادرونا ولم تبق سوى ملامحهم الظرفية قائمة، وربما على مدار عقود أخرى لا ندري هل ستبقى هذه الذاكرة تصنع حضورها أم لا؟
لاشك أن المشاهد والمتتبع للشأن الفني مازال يتذكر الأسطورة التارقية و يدرك جيدا التميز الذي خلفه الفنان عثمان بالي انطلاقا من هيئته وهندامه إلى طريقة غناءه للنوع التيندي، ومداعبته القيتار الذي لازمه.
ظل بالي متخفيا يطلع على جمهوره في كل فرصة تسمح له بذلك، ولم يكن باستطاعة أحد أن يدخل خصوصية الرجل الأزرق، لأنها من الثوابت بالنسبة له، فقد تربى على مقاومة أجداده التي امتدت إلى صحراء النيجر ومالي، وامتهانه الطب، لم يكن مانعا ولم يحل دون امتثاله للرغبة الإبداعية التي تسكنه، حتى وإن كانت العادات والتقاليد عند المجتمع التارقي، تعتبر صوت الرجل في الغناء عورة وعيبا، فحق للأنثى أن تصدح بأغانيها وأهازيجها في محافل الرجال، مسببا حرجا كبيرا للقبيلة إلى حد رجمه واتهامه بالعصيان.
الفيلم الوثائقي الذي يصور جولاته وحياته كفيل بأن يمنح للرجل المتخفي شهادة ميلاد جديدة بعد أن غيبه واد جانت وجرفه سيله، ما يؤكد على أن الفن تأشيرة للجمال ولما لا، تحقيق رغبة الفنان بالي ودفعه نحو العالمية بعد أن ولجتها روائع “ دمعة دمعة “ أمين أمين “ وغيرها من المقتطفات التي هزت أسماع المعمورة .
فهل مدة 52 دقيقة كافية لاستحضار مآثر وحروب الرجل الفنية، أم أنها قطرة الفيض القادم ؟
الرجل التيندي يعود في 52 دقيقة
نور الدين لعراجي
11
جانفي
2017
شوهد:769 مرة