أصبحت مسألة الإرهابيين العائدين إلى بلدانهم أو ما يعرف بـ «المقاتلين الأجانب» من ساحات المعارك في مختلف أنحاء العالم كابوسا يقض مضجع الكثير من الدول التي ترى في عودتهم وهم مشبّعون بالأفكار التكفيرية والإجرامية خطر على أمنها واستقرارها، سيّما منها تلك البلدان التي تعاني أصلا من خطر التهديد الإرهابي لتجد نفسها تواجه مسألة عودة أولئك العناصر الذين قدرت عددهم بعض التقارير الاستخبارية بالآلاف يعتزمون العودة إلى بلدانهم الأصلية هربا من حملات الملاحقة والتعقب التي رافقت العمليات العسكرية المختلفة و من بينها تلك التي أدت إلى تحرير مدينة حلب السورية من أيادي الجماعات الإرهابية و كذا العملية المماثلة التي لاتزال متواصلة لتحرير مدينة الموصل العراقية من تنظيم داعش الإرهابي .
لم يعد هناك أدنى شك أن ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة عالمية لا تعترف لا بالحدود و لا بالجنسيات و لعلّ التقارير الاستخبارية و حتى الغربية منها أكدت أن عدد الإرهابيين الدين يقاتلون في سوريا قدموا من ثمانين أي 80 جنسية مختلفة و بالتالي فردود المجتمع الدولي يجب أن تكون لها أبعاد عالمية من خلال تجند هذا المجتمع بأكمله لإيجاد الحلول الملائمة لهذه الظاهرة و ليس الاكتفاء بإجبار بعض الدول على استقبال أولئك الإرهابيين بدعوى أنهم يحملون جنسيتها. و هنا يطرح التساؤل التالي : ألا يشكّل هذا تهديدا لأمن و استقرار تلك الدول و من ثمّة تهديد الاستقرار العالمي برمته ؟ لأنه يعتبر إعادة إنتاج للإرهاب مجددا في شكل حلقة مفرغة لا تنتهي من خلال إعادة انتشار تلك العناصر ونشر فكرهم المتطرّف في شباب جدد يمكن أن يجندهم أولئك «العائدون» فلو سلمنا جدلا و من خلال عملية حسابية بسيطة، فإنه و في حال نجح عنصر واحد فقط من أولئك الإرهابيين العائدين من إقناع و استدراج عشرة من الشباب إلى فكره الإرهابي المتطرف فكم سيكون عدد الإرهابيين المحتملين الجدد في حال عودة ثمان مائة أو ألف إرهابي إلى بلدانهم الأصلية، إنها معضلة حقيقية. و ليس ما حدث مع العائدين من الحرب الأفغانية بداية ثمانينات القرن ببعيد عنا و هم الذين أصبحوا لاحقا النواة الصلبة لتنظيم القاعدة و داعش الإرهابيين و تنظيمات إرهابية أخرى أسسها و تزعمها في الغالب أولئك العائدون إلى بلدانهم بعد نهاية الحرب في أفغانستان و لدينا في الجزائر نموذج حي يتمثل في الارهابي مختار بالمختار المسمى «لعور» .
الجدير بالإشارة في هذا الصدد، إن أولئك الذين يطلق عليهم المقاتلون الأجانب لم يلتحقوا لا بالأراضي السورية و لا العراقية باستعمال جوازات سفر ولا تأشيرات و لكن دخلوا بطرق غير قانونية عبر حدود بعض الدول بمساعدة مباشرة من وكالات استخبارية غربية و عربية تحوّل البعض منها ـ خدمة لأجندات سياسية - إلى وكالات متخصصة في تجنيد الشباب من كل بلدان العالم للزجّ بهم في أتون الحرب السورية بهدف الإطاحة بنظام بشار الأسد و ذلك طبعا مقابل مغريات مالية و جنسية لا يمكن مقاومتها من شباب يعانون أصلا من الحرمان المادي و المعنوي و هذا علاوة على فتاوى شيطانية توظف الدين الإسلامي السمح في لعبة سياسية قذرة.
من خلال كل المعطيات سابقة الذكر، نكتشف أن ظاهرة الإرهابيين العائدين أصبحت ظاهرة عالمية كما هو شأن الإرهاب الدولي و بالتالي يجب استحداث آليات عالمية للتعاطي مع الظاهرة و ليس تحميل بعض الدول المسؤولية فقط و الضغط عليها لاستقبال أولئك الإرهابيين بحجة أنهم يحملون جنسيتها و هنا يطرح تساؤل مشروع و هو لماذا لا تتحرك محكمة الجنايات الدولية ضد أولئك الإرهابيين ؟ ثم لماذا لم تدرج بعد جرائم الإرهاب ضمن اختصاصات هذه المحكمة رغم انها اختصاصها يتعلق بجرائم العدوان و الحرب ، الإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية ... و هي جرائم كلها نجدها مجتمعة في الفعل الإرهابي. أفلم تقم الجماعات الإرهابية في سوريا بالاعتداء و إعلان الحرب على دولة عضو في الأمم المتحدة ؟ و قبل ذلك اعتدت و أعلنت الحرب على الجزائر و ارتكبت جرائم إبادة جماعية في حقّ الشعب الجزائري عبر المجازر المتعددة التي ارتكبتها الجماعات الدموية في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي و خلفت الآلاف من الضحايا ؟ أليس كل تلك الجرائم الشنعاء هي جرائم ضد الإنسانية ؟، أضف إلى ذلك وجود تقارير استخبارية غربية تحدثت عن استعمال تنظيم داعش الإرهابي للأسلحة الكيماوية في سوريا و هو ما تمّ تأكيد توثيقه لاحقا من طرف خبراء من الجيش الروسي يعملون في سوريا؟ و فوق هذا و ذاك كما أن هناك تقرير استخباري بريطاني صدر مؤخرا يتكلّم عن احتمال حدوث هجوم إرهابي على إحدى العواصم الأوربية بأسلحة غير تقليدية ، و رغم كل ذلك مازال العالم لم يحسم أمره من الظاهرة بعد ، أم أن محكمة الجنايات الدولية هي مجرد ـ لجنة محدّدة الغرض ـ مهمتها إصدار أوامر توقيف و محاكمة الرؤساء الأفارقة فقط؟!
في الأخير، يبدو أن الحل الأمثل لمواجهة ظاهرة ما يسمى بالعائدين هو أن تستلم الملف الأمم المتحدة التي عليها أن تستحدث الآليات القانونية اللازمة للتعاطي معها و في هذا الصدد لماذا لا يتم إنشاء تجمعات لأولئك الإرهابيين بعد محاكمتهم من طرف المحكمة الجنائية الدولية و لقضاء عقوبة السجن فيها هنا يتم خلال فترة العقوبة إعادة تأهليهم و تنقية عقولهم من شوائب الإرهاب و التطرف، و حينها فقط يمكنهم العودة إلى بلدانهم.