شباب في عمر الزهور يندفعون في مختلف الشوارع صارخين بأعلى الأصوات معبرين بشعارات غاضبة توحي وكأنهم مكلفون بوظيفة محددة:«بث الفوضى والرعب في النفوس». مشاهد لصور مكبرة في مختلف المدن عن الخراب والنهب والاعتداء على ممتلكات الناس تم تناقلها بسرعة البرق معيدة للأذهان سيناريوهات مضت، نفذت باسم غلاء المعيشة جراء ما تضمنه قانون المالية من زيادات طفيفة في مواد استهلاكية وخدمات.
ورافقت هذه الهيستيريا حملات إعلامية مركزة من فضائيات عربية وأجنبية دأبت على صب الزيت على النار. وهي التي كانت تتساءل وتبحث بلا وجه حق عن مبررات بقاء الجزائر في مأمن من بحر الطوفان الهائج في أكثر من بلد عربي تحت تسميات «الفوضى الخلاقة» التي كسرت دولا بأكملها، وشردت شعوبا وأبقت الجرح ينزف بلا توقف والمستقبل حالكا والسؤال المحير المتردد في الأنفس ما ذا بعد؟
لكن الذي لم يخطر على بال هؤلاء الذي يروجون دوما لصورة نمطية أخرى عن البلاد ويرددون الخطاب التيئيسي «كل ليس على ما يرام» ولا يعترفون بحقائق الأشياء والمكاسب ولو اعترضتها بعض المتاعب والاختلالات التي ينبغي أن تعالج في أطرها وقنواتها بالتي هي أحسن دون تأويل أو عويل، إن الجزائريين أقوى من أن ينساقوا وراء هذه الموجة الكاسرة والقبول الطوعي بالعودة إلى حقبة صعبة عاشوا مرارتها خلال التسعينيات.
لم يفهم هؤلاء الذين غابت عنهم حقائق في المعادلة الجزائرية أن الجزائريين الذي عاشوا ربيعهم أيام زمان وأقسموا بالنازلات الماحقات على الوفاء لمكاسب الأمن والسلم وتعاليم المصالحة الوطنية، أنهم أبعد من أن يكونوا مجرد ورقة في لعبة تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتفتح المجال واسعا أمام القفز في المجهول.
جاء رد الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية الكلاسيكية والافتراضية واحدا وحيدا: أن الاستقرار الوطني خط أحمر. وأن مكاسب السلم والمصالحة أعلى وأغلى من أن تخضع للمساومة والتنازل.
كلمات وردت على نغمة واحدة وبرؤية واحدة وتطلع واحد شكلت الدرس المليون للذين لم يحفظوا العبرة ولم يعيروا الاهتمام للهبة الجزائرية من مشرق البلاد إلى مغربها. كلمات حملت الطابع والمضمون أن الجزائر أبعد من أن تزج في الاضطرابات والاهتزازات الإقليمية والقارية. وهي وحدها تشكل الاستثناء في التحولات الجيواستراتيجية والسائرة بخطى ثابتة نحو إدارة شؤونها بهدوء وحوار دون إملاءات الآخرين. ومن يراوده الشك فما عليه سوى أخذ العبرة من تجارب تيڤنتورين، غرداية، ورقلة، عين صالح وغيرها من محطات شكلت قوة انطلاق نحو البناء وليس السقوط الحر في حسابات مخبرية وأجندات ميؤوس منها.