يناهز عدد الموظفين المدنيين الذين يشتغلون لحساب مختلف المؤسسات الصناعية والاقتصادية التابعة لوزارة الدفاع الوطني 30 ألف شخص، ما يؤشر بوضوح على أن المؤسسة العسكرية لا تلعب دورا في امتصاص البطالة وتوفير مناصب الشغل فقط، ولكن لها دور كذلك في توجه تنويع الاقتصاد الوطني والتخلي التدريجي على النفط كمصدر وحيد للحصول على المداخيل بالعملة الصعبة، الذي جعل البلاد رهينة تقلبات الأسواق العالمية للذهب الأسود.
إن مساهمة الجيش الوطني الشعبي في المسيرة التنموية للبلاد وفي التأسيس لقاعدتها الصناعية، ليست وليدة اليوم، لكنها تعود إلى الأيام الأولى للاستقلال، أين بادرت هذه المؤسسة ببناء العديد من القواعد الصناعية الكبرى التي لاتزال شاهدة على الدور المحوري الذي لعبه أفراد الجيش الوطني الشعبي - سليل جيش التحرير- في بناء النسيج الصناعي للبلاد وكل اللواحق الأخرى الضرورية لازدهار هذا النسيج، مثل شق الطرق وبناء سكك الحديد وغيرها من الإنجازات الرائعة التي تعتبر مفخرة لكل الجزائريين، علاوة على الدور الكبير الذي لعبته سياسة التكوين المهني والتمهين التي كللت بتخرّج الآلاف من شباب الخدمة الوطنية من مراكز التكوين المهني للجيش والذين أصبحوا لاحقا الأيادي المؤهلة التي ضمنت تشغيل مختلف المصانع والورشات في العديد من المجالات وهذا بفضل هذه المراكز، أين كان أقل ما يستفيد منه الشاب أثناء أداء الخدمة الوطنية، الحصول على رخصة سياقة مختلف آليات الأشغال العمومية الكبرى.
إن حضور المؤسسة العسكرية في المشهد الاقتصادي الوطني مجددا، من خلال إطلاقها للعديد من المصانع الكبرى، بداية من مصانع السيارات، وصولا إلى صناعة المروحيات، يؤكد عودتها القوية لهذه المؤسسة وإرادتها في المساهمة في الوتيرة التنموية للبلاد، بعد بلائها البلاء الحسن لما يناهز العشريتين في مكافحة الإرهاب وفلوله.
إن هذا التوجه لا يعكس البعد الاقتصادي للجيش الوطني الشعبي ولكن الأهم من ذلك كله أنه يجسد وطنية وشعبية هذا الجيش، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى، وهذا العمق الاستراتيجي هو الوصفة الحقيقية لصمود الجزائر وبقائها واقفة في وجه الدسائس والعواصف. وهنا يتضح أن حملات تشويه الجيش الوطني الشعبي وإطاراته، كان هدفها بعيد المدى، هو ضرب العمق الشعبي للجيش الوطني الشعبي.