لم تبق الجزائر مكتوفة الأيدي في مواجهة تداعيات الأزمة المالية جراء انهيار أسعار المحروقات التي تشكل 97 من المائة من مداخيلها. لكنها اتخذت تدابير احترازية تعول عليها في الإبقاء على وتيرة النمو المسجل وتراجع البطالة، مثلما تضمنه قانون المالية.
كانت هذه التدابير سمة السنة 2016 التي أجابت خلالها السلطات على انشغالات طرحت ومشاكل أثيرت حول، ما العمل لمواجهة أزمة تضرب بثقلها كافة بلدان المعمورة وتعجل بالحلول الجذرية المؤمِّنة للاستقرار الوطني والجبهة الداخلية التي كثيرا ما تشتغل من دعاة التيئيس لنشر ثقافة سوداوية تروج لصورة نمطية أخرى وواقع مقلوب بالادعاء «كلّ ليس على ما يرام».
رأينا هذا التوجه في الخطاب السياسي وتوجيهات رئيس الجمهورية وتعليماته بوجود مقارعة الواقع المتغير الصعب برؤية تطلع المواطن بحقائق الأشياء ومرارة الصعوبات وإشراكه في الخيارات المشكلة للبديل الحتمي.
كانت هذه التوجيهات والتعليمات مأخذ جد واهتمام من قبل الوزير الأول عبد المالك سلال والطاقم الحكومي في الجولات المكوكية عبر الجزائر العميقة، مؤكدين على مقاربة أخرى غايتها إعطاء ديناميكية أكبر لقطاع الإنتاج الممثل في الاقتصاد دون الإبقاء على التبعية المفرطة للمحروقات وما تحمله من أخطار على مداخيل البلاد والتأثير على تمويل المشاريع.
وباتت الأزمة من هذه الزاوية، محطة انطلاق نحو البديل الآخر بتفعيل الآلة الإنتاجية، بتشجيع الاستثمار المولد بحق للثروة والتشغيل والقيمة المضافة وليس شيئا آخر.
في كل المعارض والصالونات، لغة واحدة تم تداولها: التجند في سبيل إنجاح النموذج الاقتصادي الجزائري الجديد الذي يعد خارطة طريق نحو إعادة القاعدة الصناعية إلى التشغيل والدوران بالسرعة التي يتطلبها الزمن ويحتمها التغيير، مثلما كان الحال أيام زمان، قبل أن تتعرض المؤسسات والمركبات التي صنعت مجد البلاد وقوتها المزدهرة إلى التفكك والتوقف تحت تسمية إعادة الهيكلة التي تمت في الثمانينيات، وكان وقعها السلبي باديا للعيان من خلال تحول البلاد في يوم وليلة من مصدّر إلى مستورد لمنتوجات حيوية استنزفت العملة الصعبة.
مشاريع كبرى أنجزت، قرارات مصيرية اتّخذت، نتائج هامة سجلت في اجتماع أوبك بالعاصمة وفيينا خلال 2016، أجابت على ما روّجه من يزرع الشكوك في النفوس ويتمادى في تخويف المواطن بأن الجزائر على شفير أزمة مالية حادة يستحيل تجاوزها.
دارت الأيام وتبين أن النفقات، وإن تقلصت وأولويات أعيد ترتيبها، فإن سياسة الرشادة والنجاعة تبقى الممر الآمن لمواصلة مسيرة البناء والإنماء، اعتمادا على بدائل اقتصادية يصنعها الجهد الجزائري وليس الريع النفطي، مولد كل الكوابيس.
هذه السياسة التي نفّذت بواقعية خلال العام 2016 هي التي تبقى خارطة طريق العام الجديد وما يتبعه من سنوات التحدي والأمل.