فرضت الجزائر نفسها طرفا أساسيا في تسوية أزمات دول الجوار، بفضل مقاربتها السياسية وبعد نظرها وجهودها في استتباب الأمن والاستقرار، مرافعة دوما لتكاتف الجهود وتنسيق المواقف وتقاسم الوظيفة، غايتها تأمين استقلالية القرار الإقليمي وتعزيز السيادة دون الانسياق وراء وصفات القوى الخارجية التي تتحرك كلما استدعت مصلحتها ذلك وفرضها صراع نفوذ.
من أجل هذه الأهداف والغايات، خاضت الجزائر معارك دبلوماسية وهي ترافع عبر القمم القارية والدولية من أجل أن تتولى دول الجوار علاج تعقيداتها بالتي هي أحسن وأقوم، اعتمادا على حوارات مختلف الأطراف واتفاقها على أرضية مشتركة تفضي إلى حلول توافقية دائمة تعزز خياراتها ولا تبقيها عرضة لتهديدات الخارج وأجنداته.
حدث هذا مع الملف المالي، الذي ساهمت فيه الوساطة الجزائرية باقتدار وقرّبت الرؤى المتباعدة المتناحرة أحيانا لأطراف النزاع، حتى التوصل إلى الاتفاق التاريخي حول الأمن والسلم.
ويحدث مع الملف الليبي، الذي يحظى بالاعتبار والاهتمام ويحظى بالأولوية في العمل الدبلوماسي الجزائري. وهو عمل دبلوماسي لم تتوقف لحظة في التأكيد «أن الجزائر معنية بما يجري في البلد المجاور ليبيا. وهي سائرة دوما في تقديم يد العون والمساعدة في بناء دولة ليبية قوية تكون صمام أمان من الأخطار والتهديدات الإرهابية المتنامية المتخذة من هشاشة المنطقة ولا استقرارها فجوات تتسلل عبرها وتوسع جرائمها العابرة للأوطان والحدود».
من هذه الزاوية، تقرأ زيارة فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي، إلى بلادنا. منها يحمل الجواب الشافي الكافي عن بعد الزيارة ومغزاها وهو الذي قال عشية حلوله ببلادنا إنه «يتطرق إلى تطورات الوضع والجهود المبذولة في إطار التسوية السياسية للأزمة التي يعيشها هذا البلد الشقيق».
ظلت الجزائر وفية لمرجعية ثورتها وثوابت سياستها الخارجية، تحذر من التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، مقتنعة أن هذا المسعى يعقد أكثر الوضع ويؤزّمه بدل تسويته. وانصبّت جهودها لانتزاع موقف من الاتحاد الإفريقي وجره نحو التكفل بالقضايا القارية ومنها ليبيا، التي قالت بلادنا إن عدم ترك المجال للأطراف الليبية لإدارة شؤونها باستقلالية والتمادي في الضربات المتسلسلة، يشجع على تنامي موجة الإرهاب ويغذي انتشار عصابات الجريمة.
الحل الأنسب مراجعة الحسابات والمقاربة بمرافقة أهل ليبيا الأحرار في إعادة بناء دولة المؤسسات التي تشرع في تهيئة الأرضية لمسار ديمقراطي يفضي لمصالحة الأمل المنتظر اليوم وغدا.