الإستدانة الخارجية ليست قدرا محتوما على الجزائريّين، والذين يطالبون بالذّهاب إلى هذا الخيار لا يدركون الخلفيات المترتّبة عن ذلك، في حالة فتح هذا الباب الذي يصعب غلقه مستقبلا نظرا لكثرة الإحتياجات المالية لإدارة قطاعات معيّنة.
والرّؤية الاقتصادية المحضة لتسيير شؤون البلد الموجودة لدى الخبراء، مصدرها واضح وهي معادلة لا تخرج عن نطاق نقص الموارد يستدعي الذّهاب إلى المؤسّسات المالية الأجنبية، وهذا الطّرح نعتبره تصويبا أو تسديدا مباشرا للهدف، يترجم ذهنية تقنية لها توجّهات تهويلية ومخيفة في آن واحد، ومنطقهم في ذلك أنّ كل الصّناديق فارغة بحكم سقوط سعر البترول، وحساباتهم تثبط أكثر ممّا تشجع العزائم في إدارة الاقتصاد الوطني.
في حين أنّ السياسي يختلف عن المتابع للشّأن الإقتصادي، وهذا بما يمتكله من قدرة فائقة على الاستشراف ومسايرة الوضع وفق تحاليل واقعية تراعي كل العوامل المحيطة بصناعة القرار الحاسم في وقته المناسب، ولا يستبق الأحداث أبدا بقدر ما يتحرّك انطلاقا من معطيات واضحة، ومقاربات بارزة داخلية وخارجية، لذلك فإنّ الإستدانة ليست من الأولويات أبدا، ولا يمكن التّفكير فيها من باب الدخول في الحلقة المفرغة، ألا وهي النّفقات لا غير بدون مقابل، وهذا هو المشكل العويص الذي سقط فيه الاقتصاد خلال الثّمانينات والتّسعينات..كثرة المصاريف.
لذلك فإنّ خروج الجزائر من هذه الدّائرة الجهنّمية كان بفضل الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي سدّد كل الديون الخيالية التي كانت مترتّبة عن هذا البلد سواء بالنّسبة لصندوق النّقد الدولي أو نادي باريس، والأكثر من هذا أقرضت الجزائر «الأفامي» ٥ ملايير دولار ما تزال على ذمّة هذه المؤسّسة.
وترفض الجزائر اليوم، أن تجتر مثل هذه التّجربة المريرة التي كلّفت البلد متاعب مالية لا يمكن تصوّرها، وضعتها في موقع صعب حقّا إلى درجة فرض شروطها القاسية فيما يتعلّق بتطبيق مخطّط التّعديل أو التّصحيح الهيكلي، الذي أدّى إلى تسريح العمّال وغلق المؤسّسات، ناهيك عن مطالبة الصّندوق بإعادة جدولة الديون في كل مرة من أجل الضّغط على الجبهة الاجتماعية عمدا.
وزعزعة استقرار البلد هذا هي دلالات الإستدانة، وإن تختلف المعطيات اليوم، فإنّ ذلك لا يعني أبدا بأنّ ذلك الصّندوق يريد الخير لنا، هذا غير صحيح لقد عاش الجزائريّون الأمرّين معه ومع بلدان أخرى كانت ترفض منحنا ولو مليم واحد، والكل يشهد على ذلك وشعار الجميع كان آنذاك هل من مزيد؟ بمعنى المطالبة بتفكيك قطاعات أخرى كالوظيفة العمومية التي كانت تشغل مليون والنصف من الأشخاص، تخيّلوا إن طردنا هؤلاء إلى الشّارع ماذا يحدث؟
في هذه الأثناء تولّى الرّئيس بوتفليقة مقاليد السّلطة في البلاد في نهاية ١٩٩٩ ليعيد الأوضاع إلى طبيعتها من خلال الالتزامات الـ ٣ التي أعلنها: إطفاء نار الفتنة، وضع حد لتدهور الإقتصاد الوطني، وإعادة الجزائر إلى المحافل الدولية، هذه المسارات الداخلية والخارجية أنجزت في موعدها المحدّد.
ولتفادي الإرتماء في أحضان هذا الصّندوق، فإنّ السّلطات العمومية قرّرت جملة من الإجراءات للحفاظ على مداخيل البلد من العملة الصّعبة، وهذا بتأجيل إنجاز المشاريع التي لا تنطوي على الأولوية الملحّة في شتّى القطاعات بوضعها جانبا مع امكانية تنشيطها مجدّدا في حالة انتعاش القدرة المالية للبلد، لم تلغ أبدا بل توجد في قائمة الانتظار. وفي مقابل ذلك فإنّ سقف المصاريف بخصوص احتياطي الصّرف يجب أن لا يكون أقل من ١٠٠ مليار دورلا، تفاديا لكل تلك النّفقات التي اعتدنا عليها وإبقاء الإقتصاد الوطني يسير بطريقة مريحة بعيدا عن أي ضغط، وكذلك الإيفاء بالالتزامات الخارجية خاصة مع تقليص فاتورة الإستيراد، وتنويع الأداء الإقتصادي بالرّهان على التّصدير نظرا لما تملكه البلاد من امكانيات مادية هائلة.