قد تكون الحرب في سوريا وصلت إلى محطّتها الأخيرة، فالمؤشّرات كلّها تبيّـن بأنّ اللاّعبين الدوليين والإقليميين الذين ظلّوا لستّة أعوام يؤجّجون ويصبّون الزّيت على نيران هذا النّزاع الدموي المدمّر، قرّروا أخيرا إنهاء لعبتهم القذرة بل جريمتهم الكبرى التي يتجلّى واضحا بأنّها لم تكن تستهدف النّظام السوري بقد ما كانت ترمي إلى تمزيق النّسيج الشّعبي بمعول الطّائفية السّام، وتدمير بلاد الشام، ونحن نرى كيف تحوّلت مدن بأكماها إلى أطلال سيكلّف إعادة بنائها الملايير ويستغرق السّنوات الطّويلة.
اليوم نقف على مخاض عسير يسبق وقفا شاملا للقتال في سوريا، فبعد تحرير قوات الجيش السوري لمدينة حلب التي كانت عصية على السّقوط، بات ممكنا الجزم بأنّ الانفراج أصبح قريبا وخيوط الفجر تلوح في الأفق، وهذا طبعا إذا لم يتدخّل زبانية الحروب والدمار لنقل الصراع إلى مدينة أخرى، فخرجات المتآمرين كثيرة وخطيرة،وهم في كلّ الأحوال لا يأبهون بما يتكبّده الشّعب السّوري الذي نراه وحده يدفع الثّمن الغالي من أرواحه وأمنه ووحدته، فمن سلم من القتل أصبح مشرّدا في المنافي والملاجئ هائم على وجهه يبحث عن مستقرّ آمن دون أن يجده في أيّ مكان، طبعا، فالحضن الوحيد الذي يوفّر الحماية والأمان لأي إنسان هو الوطن.
بعد ستة أعوام من القتال والدّمار يتجلّى واضحا بأنّ معاناة سوريا لم تكن في واقع الأمر غير حرب بالوكالة بين أطراف عديدة ـ إقليمية ودولية ـ ساحتها بلاد الشّام ووقودها الشّعب السّوري، الذي وقع في الفخ الذي نصب له وبات يخوض معركة خاسرة لأنّها في الأصل ليست معركته وحتى الرّابح فيها خاسر مهما كان.
الأكيد أنّ الجميع خاسر عندما يتعلّق الأمر بالاحتراب الداخلي، فمثل هذه النّزاعات لا تنحصر كلفتها في الجانب المادي الباهظ، بل تتجاوزه إلى ضرب عمق النّسيج الشّعبي وزلزلة وحدته، وإعادة بناء المدن المدمّرة سيكون بدون شك أسهل بكثير من إعادة رأب الصّدع، الذي فتّت الكيان السّوري إلى طوائف وجماعات ومناطق كلّ واحدة تسبح في فلك جهة خارجية متآمرة.
ورغم إدراكنا بأنّ انقشاع دخان الحرب سيصدم السّوريّين بواقع مرير، فإنّنا نفضّل اليوم أن يركّز أشقّاؤنا في بلاد الشّام على هذه اللّحظة الفارقة التي تقرّبهم من الانفراج الذي ندعو الله أن لا تعترضه أيّة معوّقات حتى تخمد نيران الحرب ويسكت صوت السّلاح والأنين، ليباشر الفرقاء هناك عملية مصالحة تداوي الجراح وتدفن الأضغان، وتضع أسس سوريا الجديدة التي يكون للجميع مكان فيها.
سوريا تعود
فضيلة دفوس
20
ديسمبر
2016
شوهد:437 مرة