يقول المثل “تمخض الجبل فولد فأرا”، هذا ما ينطبق على الأعمال السينمائية التاريخية التي تحاكي أبطال الثورة التحريرية المجيدة المنجزة مؤخرا، فبعد تحضيرات مكثفة وحملات دعائية وإشهارية محتدمة ومحطات انتظار مطولة، طلع علينا منتجوها بأفلام باهتة فاقدة لروح الإبداع الفني والتشويق السينمائي والحضور التمثيلي، ولم يلمس فيها المُشاهد بصمة مخرجيها واحترافية تقنييها وموهبة ممثليها.
فماعدا فيلما “ لا لا فاطمة نسومر” و«أحمد زبانة”، يمكن وضع باقي الأعمال كفيلمي «مصطفى بن بولعيد» و«لطفي».. في خانة الأفلام العادية، التي طغى عليها الطابع السردي القصصي الممل بمشاهد مبعثرة جافة وجامدة، ووقع المشرفون عليها في فخ تكرار أماكن التصوير بنفس الديكورات والممثلين، الذين لم يحسن أغلبهم الأداء في معظم المشاهد وكان حضورهم الفني والحواري غائب.
يمكن القول أن تلك الأفلام شكلت خيبة أمل كبيرة لدى الجمهور الجزائري، خاصة بالنسبة للجيل الحالي المتطلع والمتشوق لكل عمل سينمائي جيد، يعرّفه بتاريخ الجزائر وأبطالها الأشاوس، تجعله أكثر تعلقا بهم، وتدفعه نحو البحث والقراءة لاكتشاف أهم المحطات الفاصلة في أعظم ثورة عرفتها البشرية.
لقد توّفر لمخرجي ومنتجي هذه الأعمال تقنيات جد متطورة ووسائل وإمكانيات جد معتبرة، لكن عدم استغلالها فنيا وإخراجيا وتمثيليا أفرَخ لنا أفلاما عادية، غاب فيها الحس السينمائي والذوق الفني، ولم يتعاملوا معها تعاملا إبداعيا جريئا، كان سيشكل لنا ذلك المزيج بين الصورة الحقيقية للأحداث والتأثير السينمائي المبهر، بمقاربة قرائية تاريخية يلتقطها المشاهد بكل أحاسيسه ومشاعره. فباستثناء بعض المضامين القوية، نجد أن أغلب مشاهد تلك الأعمال مملة دون جمالية تذكر، بلقطات ختامية باردة غير مؤثرة، تُمحى من ذاكرة المتفرج بمجرد صعود جينيريك النهاية.
هم لم يضيفوا منظورات مرئية قوية للنصوص الكتابية، ولم يبثوا قيما ورسائل معززة لتلك الحقائق التاريخية، التي تنقلها ألسنة شخصياتها وحواراتها، فغابت الصور الفنية الجذابة والمؤثرة، التي تشعر المشاهد بأن أبطالها كانوا يرزحون تحت سلطة استعمارية فرنسية ظالمة، ولم تُنحت تلك الأعمال بصياغة بصرية عميقة ورسائل تاريخية قوية، يمكنها إغراء المتفرج بلقطات فيها نوع من الإبداع والتشويق السينمائي.
يحدث هذا رغم أن للجزائر تجربة سينمائية مشرفة في الأعمال التاريخية، لكن الإنتاجات الأخيرة لم تكن في مستوى التجارب الطليعة السابقة والمهارة الفنية السينمائية الخارقة، التي أنتجت لنا أفلام “معركة الجزائر”، “الأفيون والعصا” و«الشيخ بوعمامة”... لازالت مصدر فخر واعتزاز لدى كل الأجيال، وبقيت راسخة في ذاكرة الجزائريين ووجدانهم، يستلهم منها الشباب روح الشجاعة والبطولة، مكتشفين عبرها عظمة تاريخ وطنه وشجاعة وقوة أبطاله، سحرتهم تلك اللقطات السينمائية المؤثرة، التي لا تمل منها الأعين حتى ولو شوهدت ألف مرة.
أعمــــال سينمائيـــــة عاديـــــة لشخصيات تاريخية غير عادية
محمد مغلاوي
19
ديسمبر
2016
شوهد:364 مرة