الحلقة الأكثر هشاشة في المنظومة التجارية هي مراقبة الأسعار، ممّا خلّف لدى المستهلك بأنّ هناك فراغا يصعب سدّه في خضم كل هذه الزيادات، التي لا يفهم طبيعتها، كلما اشترى منتوجا معينا إلا ويتفاجأ لتغير قيمته، وهذا بإضافة ما بين ٥ و١٠ دنانير مباشرة.
ولابد من القول هنا بأنّ المصالح المخوّل لها قانونا بأداء هذه المهمّة قائمة كهياكل في شكل مديريات بأكملها على مستوى الولايات، لكن ما يسجل هنا هو أنها تقوم بالنظر في مدى صلاحية المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك وليس الأسعار، والدليل أنها تطلب من التجار إظهار السعر على وجه المادة المعنية للمستهلك.
وهذه المفارقة هي التي ولّدت هذا التداخل في المهام، ممّا سمح للتجار بفرض منطقهم على المواطنين الذين يرتدون على الأسواق والمحلات والفضاءات الأخرى.
ومن جهة ثانية، فإنّ المواد المدعّمة كذلك تتعرّض الى سلوكات غريبة من قبل التجار، الذين يضيفون ما يريدون من دنانير عليها دون أي تبرير يذكر، ماعدا مزاج ذلك صاحب المحل وفي كل مرة تراه يبيع كما يحلو له الأمر، إلى درجة لا تصدق ما يحدث من تلاعبات، وعندما تستفسر عن ذلك لا يكلف نفسه عناء قول كلمة واحدة «زادولها»، فمن هؤلاء الذين رفعوا الأسعار بهذه الطريقة غير القانونية؟
التجار الذين يقصدون أسواق الجملة يبررون ذلك بأنهم وجدوا المواد الغذائية بأسعار معينة، وما عليهم إلا بتحديد هامش ربحهم، لكن بكم؟ هذا هو السؤال الكبير هل بدينار أو دينارين أو بخمسة أو عشرة دنانير. نعتقد بأنّ الاشكال هنا في غياب آلية جامعة تتدخل مباشرة في هذا الأمر، أي هي التي من صلاحيات دراسة الأسعار والتوقف عند السقف المحدد.
أما غير هذا فإن الأسعار تبقى عرضة لكل التجاوزات التي نقف عليها اليوم، بمعنى أنها غير ثابتة بتاتا لأنّ ما يسجّل حاليا هو وجود العرض بقوة وليس هناك ندرة بل المساحات التجارية مليئة بالمواد الواسعة الاستهلاك حتى أسواق الجملة، كما أن هناك طلبا مرتفعا على الشراء، فنظرية العرض والطلب هذه داس عليها المحتكرون والمضاربون الذين شكّلوا لوبيا خاصا بهم لا يستطيع أحد اختراقه أو التدخل فيه نظرا لشبكته الواسعة في هذا الاطار، وتحكّمه في خيوط التوزيع لهذه المواد، ممّا جعله بعيدا عن أعين المراقبة، وانعكس ذلك مباشرة على المواطن الذي يدفع أي تغيير يطرأ على أسعار هذه المواد خاصة تلك المستوردة والتي تحسب بالأورو.
والزيادات الأخيرة التي أقدم عليها هؤلاء خارج اطار قانون المالية، فكانت استباقية ومع حلول ٢٠١٧ يجدون أنفسهم قد استفادوا مرتين، وهذا مخالف للقانون. وقد اعتبرت السلطات العمومية أن رسم القيمة المضافة زاد بدرجتين وليس غير هذا، لذلك فإن ما قام به البعض من التجار يعد خروجا عن القانون، فما على المصالح على مستوى التجارة إلا التحرك في هذا الاتجاه قصد إعادة الأمور إلى أوضاعها الطبيعية.
وعليه فإن هذه المهمة تستدعي مساعدة من قبل الاتحادات المهنية والجمعيات الناشطة في هذا القطاع، وهذا بنزع عنها الطابع الاداري والنزول إلى الميدان، وليس الحديث عن هذه المسائل من بلاتوهات القنوات. للأسف هذا ما يحدث اليوم، تاركين تلك المصالح التابعة لوزارة التجارة تقاوم وحدها في الميدان لتتقوّى هذه الحلقة، أي مراقبة الأسعار بالشكل اللائق، والذي أقرّه القانون ل أكثر ولا أقل.