يتساءل المتتبّعون عن الخلفيات الكامنة وراء تعالي الأصوات المطالبة بشطب الدعم للمواد الغذائية الواسعة الاستهلاك المندرجة في إطار التّحويلات الاجتماعية الواردة بقوة في قانون المالية لـ ٢٠١٧.
وهذا الانشغال يعدّ شرعيا من باب أنّ هذه الدّعوات غير مبنية على بدائل بنّاءة وتصوّرات عملية بقدر ما تترجم ذلك التوجه الإيديولوجي الذي يفضّل أحكام السوق ومنطق «دعه يعمل دعه يمر»، وهذا الفكر يرفض رفضا قاطعا تدخل الدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية، وإنما يعتبر وظائفها لا تخرج عن إطار الدفاع، الخارجية والمالية، وما تبقّى من مهام أخرى فيكلّف بها المجتمع المدني من جمعيات ومنظّمات وشخصيات، وغيرها من الرّكائز القائمة في الأنظمة التي تعتمد على هذا النّمط في التّسيير.
والمطالبة بإزالة الدعم الاجتماعي معناه أنّنا نعمل على إبعاد الدولة من التكفل بالفئات المعوزّة التي تنظر إلى مؤسّساتها الوطنية بأنّها الضّامن في توفير لها السّكن، التّعليم، الصّحة وغيرها من ضروريات الحياة اليومية، وكذلك الحرص على حماية القدرة الشّرائية وتحسين الأجور، وتوفير التّأمين والتّشديد على إبقاء الأسعار في متناول الجميع، من خلال عدم الرفع منها لتكون في المستوى المعقول خاصة ما تعلّق بالحليب، الدقيق، الخبز، البنزين، السكر والزيت.
ما يتداوله البعض اليوم لا يستند إلى أي أساس يذكر، بل هو مجرّد مزايدة سياسوية لا أكثر ولا أقل، وصيحة في واد ليس لها رجع صدى، ولا تعدو أن تكون محاولة لضرب والمساس بالمبادئ الجوهرية للمنطلقات الثابتة للدولة الوطنية النّابعة من بيان أول نوفمبر، وكل ما تبع ذلك في ما بعد.
هذه الوثيقة الثّورية الخالدة اعتبرت أنّ التّضامن والعدالة الاجتماعية من أعمدة الدولة الوطنية، ولا بديل عن هذه الخيارات، وكل المواثيق الأساسية للثورة الجزائرية أكّدت على هذا الجانب منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، وبالرّغم من الأزمات السياسية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد في مراحل معيّنة، فإنّ صاحب القرار تمسّك بكل هذه المبادئ الجوهرية.
وممّا نسجّله اليوم هو العودة القوية لهذه المفاهيم في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي ما فتئ يؤكّد على ضرورة الإبقاء على البعد الاجتماعي في كل البرامج الوطنية الشّاملة، ويتّضح ذلك في كل مشروع متوجّه إلى التنمية بكل تفرّعاتها على أن تستمر التّغطية والتكفل بكل الشّرائح المحتاجة مهما يكن الأمر.
وفي هذا السياق، فإنّه ليس هناك أي خلط بين هذه القناعات والأزمة المالية أي تراجع الموارد من المحروقات.
لذلك، فمن الخطأ الفادح أن ينطلق البعض من فرضية صعوبة الوضع المالي للمطالبة بالتخلي عن الدعم الاجتماعي، هذا يصنّف في خانة الحلول السّهلة، لأنّ هذه الأموال المخصّصة لهذا الملف تعزّز ذلك التلاحم بين أبناء الشعب الواحد، وتعكس كل تلك السياسات الموجودة في النصوص المعدّة لهذا الغرض، والتي شغلها الشّاغل مصلحة المواطن قبل كل شيء وفوق كل اعتبار.
وعليه، فإنّ ما أقرّته السّلطات العمومية من فتح باب المعلومات الموضوعية بخصوص هذا الطّارئ المالي، وإبلاغ الرأي العام لا يعني أن يستغلّه البعض من أجل ربط هذا الجانب بالدعم الاجتماعي، على أنّ هذا الأخير هو سبب هذه المشاكل، هذه الصلة غير صحيحة بتاتا وخالية من الصحة، والأكثر من هذا لا يمكن الاقتناع بها أبدا. كنّا دائما نعتقد بأنّ المتحدّثين عن الدعم الاجتماعي يسعون من أجل المطالبة بتقوية هذا المكسب من خلال تقديم اقتراحات مثمرة من أجل ذلك، لأنّ ما اعتمد كقيمة مالية مهمة جدّا، تستحق كل التّنويه والإشادة لا تضرّ أبدا بباقي الاعتمادات الأخرى إذا ما قارنا ذلك بما هو موجود. فلماذا إذا كل هذا التّحامل على التّحويلات الاجتماعية في سياق كهذا لا يسمح ببناء المواقف على حساب السياسة المسطّرة لصالح الأفراد غير القادرين على مواكبة سرعة التّغييرات في الحركية الاقتصادية والتّجارية والمالية في البلاد، والسعي لحمايتها من كل هذه التّأثيرات الجانبية، ومقابل الوصول إلى الهدف المحدّد ألا وهو الإستقرار الاجتماعي، ويجب التّفكير في هذا الأمر مليّا.