لم تنتظر البعض من الولايات طويلا للشّروع في التّفاعل مع التّوصيات التي توّجت لقاء الحكومة الولاة، في ورشاته الـ ٣، وبالأخص ما ورد في «الثانية» التي حملت عنوان «إصلاح المالية والجباية المحلية من أجل تنمية مستدامة»، وما تلاها من نقاش ثري وصريح في آن واحد، أفضى إلى اقتراحات عملية نابعة من الواقع اليومي.
والانطباع العام الذي خرج به كل الحضور هو ضرورة إعادة تثمين أملاك الجماعات المحلية بأسعارها الحقيقية بعيدا عمّا كان الأمر عليه فيما سبق باعتماد آليات جديدة في كراء المحلات الأسواق، البنايات، المساحات، القاعات والحظائر، كل هذه المنظومة من الامكانيات المادية المتاحة ستقيم من جديد ووفق نظرة تجارية بحتة تندرج ضمن رؤية متكاملة لمسعى محلي لا بديل عنه.
وفي هذا الشّأن، بادرت ولاية قسنطينة باستحداث «وكالة» لتحصيل الرسوم العقارية على مستوى البلديات عقب تسجيل نسب متدنية لم تتجاوز الـ ٤ ٪، أي قرابة الضعف فقط، إذا ما قورن الرقم بالحركية التجارية الهائلة في هذه الولاية. وتبعا لهذا الاجراء العملي فقد تقرّر فتح مزايدة تهم سوق الجملة للخضر والفواكه «ماغروفال بالبوليقون» أملا في تحديد تسعيرة أخرى تتجاوز الـ ٢٠ مليون الحالية، في حين أنّ أسواق الخروب وشلغوم العيد يقدّر المداخيل المترتّبة عن التّأخير بـ ١٠٠ مليون دينار.
هذه العيّنة، تبين أنّ قسنطينة ولاية راغبة في مسايرة الاجراءات الجديدة الصّادرة عن وزارة الداخلية والجماعات المحلية المتعلقة بإعادة الاعتبار لقيمة أملاك الولاية والبلدية وفق ما هو موجود في السّوق، يرجع للخزينة المحلية حقوقها المنطقية.
وهذا بجعل هذه المؤسّسات القاعدية منخرطة كلية في عملية تعزيز الموارد المالية القادرة على استعادتها بواسطة تصحيح كل الاختلالات في الميدان، وجعل المستحقات سائرة مع القوانين السارية المفعول لتكون في السّقف المعقول، تتجاوز ما يعرف بالسّعر الرّمزي، وهناك بلديات دخلت هذا المعترك مباشرة عقب الاجتماع الأخير بين الحكومة والولاة.
وهذا بالبحث عن الآليات ذات الفعالية في هذا الاطار، منها تعيين خبراء لإعادة تقييم الأسعار الحقيقية الراهنة والمتعامل بها في الوقت الراهن، وعلى ضوء هذا المسح للأملاك يتم تحديد القيمة لكل هيكل وفق منظور مضبوط يراعي كل الجوانب حتى لا يتحول الأمر إلى مضايقات على التجار.
ويعدّ نموذج ولاية قسنطينة بداية لتدشين مرحلة حيوية في تعديل المالية والجباية المحلية بالامكان الاقتداء بها انطلاقا من الرؤية المرنة في التسيير الاداري. هذا من جهة ومن جهة ثانية ترقية المبادرة المحلية التي شدّد عليها السيد نور الدين بدوي وزير الداخلية والجماعات المحلية على مستوى الولايات في استغلال قدر الامكان وبصورة عقلانية ما تتوفّر عليه البلديات من مصادر ثرية لتدعيم كل الحلقات المالية والجبائية محليا، بالاعتماد على الذات في تمويل المشاريع التنموية لصالح المواطن لإضفاء الطّابع الصّارم في التّسيير، واستعادة كل ما هو مبعثر هنا وهناك لفائدة المجموعة المحلية.