حضارة تغرق في الوحل

نورا لدين لعراجي
19 جويلية 2015

تحتل القضية اليمنية حيزا كبيرا في قلوب الجزائريين لا سيما بعد الصراعات الداخلية بين أبناء الوطن الواحد والتي خرجت عن أطرها المعروفة والمعهودة، فانتقل الصراع إلى التفجيرات العشوائية والقتل والإبادة من كلا الطرفين، هذا الصراع الظاهر في العلن عن طريق الميليشيات ومظاهر السلاح، إلا أنه في الحقيقة العينية لا تكاد تجد له تفسيرا دقيقا، عن حقيقة ما يحدث في الأرض اليمنية، رئيس فاقد للسلطة يمارس مهامه عن طريق القبيلة ورئيس يملك الرئاسة لكنه يفتقد للشرعية، جيش نظامي يملك مهامه الدستورية لكنه احتار إلى أي جهة يمكنه أن يقوم بمهامه، هل باتجاه الجماعات الدموية الإرهابية التي تتخذ من حضرموت ملاذها ومركزها الحيوي في منطقة شبه الجزيرة العربية أم إلى الضربات الخارجية ؟أم إلى الحوثيين الذين اختلفت حولهم التصريحات ؟هل هم عناصر مسلحة ضد وحدة اليمن ؟ أم هم عناصر الموالاة للمد المذهبي في اليمن ؟ أم قميص عثمان الذي أريد له أن يمنع الشمس من الظهور ؟
أمام كل هذه الأسئلة التي تفرض نفسها، جدير بنا أن نتحدث في هذا المقام عن سؤال مركزي وجوهري وحيوي، من في مصلحته ضرب الوحدة اليمنية بهذا الشكل، وفي عمقها ؟ مع العلم أن البلد غارق إلى أخمسه في صراعات قبلية لا تنتهي منذ رياح التغيير التي عجلت بسقوط الرئيس علي عبد الله صالح وذهاب كل قادة الجيش، سواء عن طريق الإقالة أو الاغتيال، البلد صحيح ينام على ثروات باطنية يمكنها أن تساهم في بعثه من جديد كبلد يستحوذ على منابع نفطية و الغاز، هي طاقات لا تنفذ إلى جانب معادن ثمينة، تجعله يقول كلمته في المنطقة، إلا أن الكثير من الحسابات بقيت ضيقة ورهينة بعض المخابر ومراكز القرار .
إلى هنا اليمن ومنذ حوالي أربعة أشهر وهو تحت ضربات عسكرية، استهدفت الكثير من البنى التحتية كالمستشفيات والمدارس والبيوت الأهلة بالسكان، ولكنها استثنت الأمكنة التي تتواجد بها عناصر الجماعات الإرهابية كالقاعدة و«داعش”، فكان من المفروض أن تكون الضربات إلى هذه المناطق، خاصة بحضرموت، أين تتخذ الجماعات الإرهابية من قواعدها الخلفية، نتيجة لصعوبة تضاريسها ومعروفة بأنها تشكل مثلث القاعدة إلى زمن ليس بالقصير.
إذن الضربات ليس من شأنها محاربة التطرف ولكن هدفها أبعد من ذلك بكثير، بدليل لا توجد أهداف معينة على أرض الواقع تم استهدافها أو التمكن منها، ماعدا مظاهر الدمار والقتل والتشتت التي أصبحت ملازمة لكل المجتمعات العربية الغارقة في الأوحال، كأنها أوجدت لتكون الصورة الأكثر سوادا في عالمنا العربي.
الشعب اليمني شعب له تقاليده الخاصة به لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغيرها تحت أي طارئ أو أي منطق يفرض عليه عن طريق الاملاءات، فعادات المواطن اليمني هي من الأشياء المقدسة بالنسبة إليه، تراه يمارس كل طقوسه وإرهاصاته سواء تلك التي تمليها الأعراف أو التي تدخل في يومياته كمواطن من بينها حبه المبالغ في الاعتزال، لا يساوم في منظومته الاجتماعية، يرفض كل الأوامر التي لا تأتي من القبيلة أو العشيرة، ملازمته الدائمة والصريحة إلى سلاحه وخنجره في السلم وفي الحرب، استهلاكه للقات بشكل دائم، وغيرها من الأشياء الملازمة للمواطن اليمني، وهي حكرا عليه دون غيره من الشعوب العربية الأخرى.
فهل التراكمات ومظاهر الثقافات المتعددة التي خلفتها الحضارة الإنسانية، على مر العصور كانت سببا في ما يحدث اليوم ؟ أم أن تخلف العقل في خلق منظومة فكرية يمنية سمح بظهور الخلاف والاختلاف ؟

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024