الانفراج...

أمين بلعمري
14 جويلية 2015

تنفس العالم الصعداء بعد التوصل أمس إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الذي استغرقت المفاوضات حوله 21 شهرا كاملة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوى الكبرى و18 يوما من المفاوضات النهائية تمت دون انقطاع ليكون بذلك النهائي الأطول منذ ذلك الذي شهده اتفاق دايتون للسلام الذي أنهى الحرب في البوسنة والهرسك سنة 1995.
إن هذا الاتفاق التاريخي سيفتح بلا شك صفحة جديدة في العلاقات الدولية بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط تحديدا خاصة إذا استكمل هذا الانجاز بإخلاء هذه المنطقة تماما من أسلحة الدمار الشامل من خلال تجريد إسرائيل من هذا النوع من الأسلحة، باعتبارها الدولة الوحيدة التي باتت تشكل تهديدا للسلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي بعد زوال (التهديد) الإيراني وفق هذا الاتفاق الذي التزمت بموجبه طهران بالتخلي عن طموحاتها النووية العسكرية وتخلي سوريا قبل ذلك عن ترسانتها الكيماوية وانكشاف الأكاذيب والاتهامات الباطلة في حق العراق الذي تبين انه لا يملك هذا النوع من الأسلحة ليبقى بهذا المصدر الوحيد للتهديد هي إسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية هائلة.
إن إيران التي انتظرت طويلا هذا الاتفاق للتخلص من سلسلة العقوبات التي أثقلت كاهلها، ستسغل هذه السانحة لإعطاء انطلاقة جديدة لاقتصادها خاصة وأن هذا الأخير سيحصل على جرعة أكسجين معتبرة في حال استعادة إيران لحوالي 100 مليار دولار أمريكي مجمدة لدى البنوك الأمريكية بسبب العقوبات المالية المفروضة عليها وكذا الاستفادة من رفع الحظر والعراقيل على نشاطات شركاتها الاقتصادية في الخارج، علاوة على عودة الجمهورية الإسلامية إلى تصدير الخام بصفتها عضو في منظمة «الاوبيب» سيما وانها تمتلك رابع احتياطي عالمي من الذهب الأسود وتحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث احتياطات الغاز الطبيعي وهي بذلك قوة طاقوية عالمية لا يستهان بها سيكون لعودتها إلى التصدير الأثر الواضح على التوجهات الطاقوية العالمية وعلى الأسعار.
على الصعيد الدبلوماسي حققت إيران من خلال هذا الاتفاق التاريخي نقلة دبلوماسية نوعية في علاقاتها مع المجتمع الدولي حيث سيمكنها هذا الأخير من العودة إلى لعب دورها الدولي والإقليمي كدولة لها وزنها وذلك عبر تخلص الجمهورية الإسلامية الإيرانية من عزلة دبلوماسية دولية طويلة بسبب العقوبات وهي الفرصة التي ستستغلها لزيادة نفوذها ودورها على الصعيد الإقليمي خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية وبالوضع في اليمن وفي إنهاء خلافات أخرى مع دول المنطقة.
الأكيد ان التوصل إلى هذا الاتفاق لا يعتبر انجازا لطهران وحدها بل للرئيس الأمريكي باراك اوباما شخصيا الذي لوّح باللجوء إلى استعمال «الفيتو» الرئاسي إذا حاول الكونغرس الأمريكي - الذي يسيطر عليه الجمهوريون - عرقلة تنفيذه وهو تصريح يحمل  رسالة تحذير إلى ناتانياهو رئيس وزراء إسرائيل الذي وصف الاتفاق بالخطأ التاريخي الذي سيمكن إيران من الحصول على القنبلة النووية وهذه ضربة ثانية تلحق به وباللوبي الصهيوني في أمريكا بعد فشلهما في دفع باراك اوباما إلى ضرب سوريا بعد الحملة المسعورة ضدها على خلفية استعمالها للأسلحة الكيماوية في ريف دمشق سنة 2013 والهزيمة الثانية هي تلك التي مني بها أمس بعد إعلان التوصل إلى اتفاق حول النووي الإيراني خاصة و أن بنيامين ناتانياهو حاول إفساد التقارب الأمريكي ـ الإيراني وإجهاض هذا الاتفاق إلى بكل الوسائل إلى حد التلويح بتوجيه ضربة إلى إيران وهو ما أثار حفيظة الرئيس الأمريكي وأدى إلى تشنج بين واشنطن وتل أبيب وإلى برود دبلوماسي بين البلدين.
الرئيس الأمريكي باراك اوباما يكون ومن خلال هذا الاتفاق وكذا من عبر التقارب مع كل من جمهورية ميانمار وكوبا الشيوعية في عهدته الرئاسية الثانية، قد فتح عهدا جديدا ستتحدد من خلاله اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية مستقبلا التي يبدو أنها ستعطي الأولوية لليد الناعمة وتأخذ في التخلص تدريجيا من ترسبات سياسات آل بوش التي ضاعفت الاضطرابات والأزمات في العالم خاصة وان العلاقات الدولية مقبلة على مشهد جديد متعدد الاقطاب، سيكون فيه من الصعب على واشنطن التفرد بقرارات تحدد مصير هذا العالم كما كانت تفعل في السابق. 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024