الإعلام.. والإرهاب

أسامة إفراح
27 جوان 2015

«الفعل الإرهابي في حد ذاته هو لا شيء.. الإشهار هو كلّ شيء»، هي مقولة تبناها شميد لاكور، وغيرهما من كبار المختصين في الظاهرة الإرهابية، ولعلّ أول ما نقرؤه من هذه «القاعدة» هي تلك العلاقة الوثيقة والسببية (في أحيان كثيرة) التي تجمع الإرهاب بالإعلام الجماهيري.
إن الفعل الإرهابي فعل رمزي، لا يستهدف ضحاياه المباشرين في ذواتهم، بقدر ما يستهدف الضحايا غير المباشرين (عموم الناس) بالتخويف والإرعاب، بطريقة تضغط على الأنظمة السياسية، وتدفع المجتمعات إلى تغيير قيمها وميكانيزماتها الحياتية.. فالعمليات الاستعراضية الإرهابية مثل عملية 11 سبتمبر 2001 بنيويورك، أو 11 مارس 2004 بمدريد، أو 11 أفريل 2007 بالجزائر، لم تهدف إلى إسقاط الأنظمة السياسية، ولم تختر عن قصد الضحايا الذين سقطوا في هذه العمليات، بل كان الخيار على أساس رمزية الهدف (مبنى حكومي، وسيلة نقل عامة)، ورمزية التوقيت، ورمزية المطالب وطريقة تنفيذ وتبنّي العملية.
ولكن، كيف يمكن للإرهابيين أن يطالوا أكبر عدد من الناس؟ كيف يقدرون على إرهابهم وتخويفهم؟ إن أحسن وسيلة لذلك هي الإعلام.
يقوم الإعلام  سواء عن قصد أو عن غير قصد، بـ«إعانة» الإرهابيين على بلوغ مرامهم، من خلال نشر صور العمليات والضحايا، والتركيز على التنظيمات ونشر بياناتها ومطالبها، وتتبنى وسائل الإعلام دون أن تشعر مصطلحات الإرهاب ومفردات، فتتحول إلى ما يسميه بعض مختصي الدراسات الأمنية بـ«مكبرات الصوت» للتنظيمات الإرهابية.
ما أثار انتباهنا في أحداث الجمعة الأخيرة، هو صور الضحايا التي انتشرت هنا وهناك، وأضافها العقل الباطن إلى ما سجّله من عمليات القتل «الهوليودية» التي يبثها أتباع البغدادي.. إن البلدان المستهدفة مثّلت نقاطا «كلاسيكية»، يتواجد التنظيم الإرهابي المذكور فيها أو قربها، فالكويت على مرمى حجر من العراق، ولتونس حدود مع ليبيا، إضافة إلى العناصر الإرهابية في جبل الشعانبي، وليست هذه العملية الأولى في فرنسا، ولكن وسائل الإعلام العالمية سقطت في فخّ تزامن العمليات، ما أكسب هذه الأخيرة عمقا وبُعدا لم يكن التنظيم الإرهابي نفسه يحلم به.
إن تجربة الجزائر واضحة في هذا المجال، حيث اعتمدت منذ التسعينيات استراتيجية إعلامية تحظر الترويج للإرهاب، بنشر صور الضحايا أو حجم التدمير أو الخوف، حيث تُنقل المعلومة دون تهويل أو تخويف أو تطرّف، وإلا لكان ذلك خدمة لأهداف الإرهاب.. ولكن، وللأسف، ما فتئت بعض وسائل الإعلام تحيد عن هذا النهج، بل وصارت مظاهر العنف تميّز برامجنا الرمضانية من خلال كاميرات مخفية تحاكي عمليات الإرهاب واحتجاز الرهائن !
إن الصحافة مهنة نبيلة، هدفها خدمة الناس قبل كل شيء، وإذا كانت المعلومة «مقدّسة»، فإن حياة الناس وطمأنينتهم «أقدس»، ولعلّ الوقت قد حان لوسائل الإعلام الجماهيري أن تتوقف عن الترويج للتنظيمات الإرهابية، التي أكسبناها شهرة يحلم بها أكثر الفنانين إبداعا وموهبة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024