أجراس السّلام تقرع من إفريقيا

من الواضح أنّ القارة الافريقية التي ارتبط اسمها وتاريخها بالانقلابات العسكرية والتوترات السياسية والحروب الدّاخلية، أضحت اليوم ذلك التّلميذ النّجيب الذي تحدّث عنه الجنرال “دياب” ذات مرّة، فهي تستوعب الدّروس جيدا، وتتعلّم من تجاربها المرّة قبل الحلوة، ما يؤشّر إلى عهد جديد يفتح أحضانه للسّمراء حتى تعيش الاستقرار وتنعم بالأمن، وتؤسّس لثنائية الحكامة والتّنمية اللّتان تشكّلان خطّان متوازيان يتقاطعان في النّهاية لتحقيق تطلّعات الفرد الافريقي، الذي ظلّ على طول العصور والأزمنة مقيّدا بأغلال الحاجة والتبعية لمصّاصي الدّماء والثّروة من أبناء الحضارة الغربية التي قامت على آمال وبأموال الآخرين.
إفريقيا اليوم تعلّمت كيف تعالج أسقامها خاصة ما تعلّق بإعادة الأمن والاستقرار، والقضاء على التوترات والنّزاعات المسلّحة، وباتت في موقع يمكّنها من إعطاء الدّروس للآخرين.
لقد أدركت جيّدا أنّ خيارات القوة والاستنجاد بالخارج لا يحلّ المشاكل بل يؤجّجها ولا يطفئ النّيران بل يُلهبها عدا عن رفع فاتورة الخسائر المادية والبشرية.
إفريقيا تعلّمت من تجاربها المريرة أنّ طريق الخلاص والانفراج لا يخرج عن الحوار والمصالحة الوطنية، وتطبيق ما تعلّمته، نراه يتجسّد بنجاح في دولة مالي التي رفضت الاستسلام للأزمة السياسية والأمنية التي عصفت بها في ربيع  ٢٠١٢، فانتزعت الحكم من قبضة الانقلابيّين وأعادت بناء مؤسّسات السّلطة، وانتخبت رئيسا استوعب جيّدا المقاربة الجزائرية لإقرار الأمن والسّلم، ورأب الصّدع الذي كان يهدّد بتقسيم البلاد، وأطلق مفاوضات مع الأطراف الشّمالية تحت رعاية الجزائر، أثمرت حتى الآن اتّفاقا موقّعا بالأحرف الأولى، في انتظار المصادقة النّهائية عليه منتصف ماي المقبل لإنهاء كابوس الانفصال والاضطراب الداخلي.
وعلى خطى مالي تسير جمهورية إفريقيا الوسطى التي تعقد الأسبوع القادم
«منتدى المصالحة الوطنية” لوقف حملة التّطهير العرقي التي يشنّها المسيحيون ضد المسلمين.
إفريقيا تعلّمت أنّ أقصر طريق لإعادة  الأمن والسّلم هو طريق الحوار والمصالحة، وبإمكان الفرقاء في سوريا واليمن وليبيا وغيرها من دول الرّبيع المريع أن يقتدوا بفرقاء مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى لوقف سياسة جلد الذات التي أغرقت بلدانهم في الدم والهم.