أوهام سياسية

جمال أوكيلي
06 أفريل 2015

البيان الصّادر يوم ٣ أفريل الجاري عن وزارة الشّؤون الخارجية والتّعاون المغربي بخصوص مسار السّلام في شمال مالي، لا يمكن السّكوت عنه أبدا أو التّغاضي على ما ورد فيه، كونه يحمل توجّها سياسيا خطيرا لم تألفه الأعراف الدبلوماسية عندما يتعلّق الحديث عن نزاع مسلّح يهدّد استقرار منطقة بكاملها.
ولأول وهلة ومن خلال قراءة متأنية، يتّضح جليّا العجز الذي لحق بالأداء الدبلوماسي لهذا البلد على مستوى السّاحل، وعدم قدرته على إيجاد مكان لائق ضمن هذه الحيوية الجديدة المتّسمة بتوقيع اتفاق الجزائر القاضي بإنهاء هذا الصّراع إلى الأبد.
هذا ما جعل مسؤولو الدبلوماسية في الرباط يشعرون حقّا بالعزلة تجاه الأحداث الكبرى التي تشهدها المنطقة، وفقدان الإمساك بخيوط ما يجري، إلى درجة الكشف عن ذلك في هذا البيان التّافه.
لذلك فإنّ هناك مغالطات جوهرية لابد من دحضها:
ــ أولا: من الخطأ الفادح الإعتقاد بأنّ هناك تراجعا في مسلسل السّلام في شمال مالي..هذا موجود في ذهنية المغاربة فقط، متناسين كل تلك المواقف الدولية القوية التي أيّدت هذا المسعى، وبخاصة ما قامت به الجزائر بين الإخوة في هذا البلد، ومساعدتهم على إخراج وطنهم من كل هذه المشاكل الأمنية النّاجمة عن حسابات ضيّقة حاول المغرب جاهدا نسفها بكل ما أوتي من “خبث”، وهذا عن طريق تحريك أدواته لإعطاء الانطباع بأنّ الوضع مازال هشّا.
ــ ثانيا: في المسائل المتعلّقة بحلّ النّزاعات الحادّة والعنيفة، لا يوجد ما استعمله “البيان” بالحل “التوافقي”. القضية ليست قضية إرضاء فلان أو علاّن، وإنما الأمر يتعلّق بمصير وطن، يتطلّب في مثل هذه المواقع الحسم الفوري المبني على الرّؤية الدّائمة والنّظرة البعيدة المدى.
ــ ثالثا: يجب أن يدرك جيّدا هؤلاء بأنّه لا دخل لما أسمته بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في هذا الإشكال، وهذا بحكم عدة اعتبارات منها بعدها كل البعد عن مالي، واسمها “غرب إفريقيا” يدل على ذلك، ولا يعقل إدراج طرف معين يعرقل المسار بدلا من دفعه إلى الأمام، واللّعبة مكشوفة هنا.
ــ رابعا: استعمال مصطلح “الإنتهارية” هو حكم لا يغتفر للخارجية المغربية، وسيكلّفهم ذلك غاليا جراء التّطاول على الجزائر، ووصف مساعيها بهذا الوصف غير اللاّئق بتاتا في الأدبيات الدبلوماسية المعمول بها. ونتساءل هنا من هو “الإنتهازي” الذي يضرب عرض الحائط بالقرارات الخاصة بالشّرعية الدّولية فيما يتعلّق بالقضية الصّحراوية، ويرفض الإنصياع للأمم المتّحدة، ثم يأتي ليتحدّث عن السّياقين القانوني والإقليمي الذي دعت إليه الأمم المتّحدة؟ كيف نفسّر هذه التّناقضات والمفارقات الغريبة الصّادرة عن هذا البلد مطبّقا قاعدة الكيل بمكيالين؟
وعليه لابد من القول أنّ هذا البيان اعتراف رسمي من المغرب بفشله الذّريع في إدارة مثل هذه الملفّات الحسّاسة، وقد أخطأ عندما ادّعى بأنّه تربطه علاقات قوية وعريقة مع الشّعب المالي ومختلف مكوّناته. هذا غير صحيح بتاتا ومجرّد خطاب للإستهلاك لا أكثر ولا أقل، لا تجمعه أي علاقة مع المنطقة ماعدا التّفكير في كيفية الإساءة للجزائر، هذه هي استراتيجيته في هذا الفضاء، بدليل أنّه أصدر بيانا لإلحاق الضّرر المعنوي بالآخر، لم نقف على مثل هذا الكلام في الحوليات المتعارف عليها لينطبق على هؤلاء القول المأثور: “إذا لم تستح فافعل ما شئت”. هذا ما يلخّص بيان الخارجية المغربية حول مالي. هي محاولة يائسة تضاف إلى سلسلة المحاولات التي يريد المغرب تحويل النّظر عمّا يحدث في الصّحراء الغربية التي تستعدّ المجموعة الدولية للاطّلاع على التّقرير الأممي في أقرب وقت.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024