كلمة العدد

ورقة طريق لمنظومة فعالة..

سعيد بن عياد
03 أفريل 2015

كشفت ندوة التجارة الخارجية الاخيرة عن اختلالات عميقة تضرّ بالاقتصاد الوطني بفعل طغيان الاستيراد الفاحش، الذي بلغ ضرره مدى لا يطيقه الوضع المالي في ظل تراجع موارد المحروقات، لكنها أظهرت بالمقابل إرادة للدولة بالسعي الى تصحيح المعادلة بحيث يرتقب أن يتم اتخاذ التدابير التشريعية والاجراءات التنظيمية بمعايير موضوعية وشفافة من خلال إرساء نظام “رخصة الاستيراد” دون تعارض مع القواعد ذات الصلة لمنظمة التجارة العالمية.
 وقد يكون ضاع وقت لبناء منظومة جديدة وفعالة للتجارة الخارجية تراعي تغير المؤشرات المالية وتداعيات تقلبات الاسعار في الاسواق العالمية التي ترتبط بها السوق الداخلية بحبل سري يمتص الموارد ويستنزف القدرات، غير أن الوقت لا يزال يوفّر الفرصة الثمينة لإعادة الإمساك وبشكل ممنهج وصارم بملف التجارة الخارجية من خلال إعادة صياغة المنطلقات برسم أولوية التصدير وتحديد الاحتياجات، بتدقيق الفروع ذات الطابع الأساسي وضبط  المعايير الصحيحة للممارسين، بحيث يتم وبشكل لا تردد فيه الفرز بين متعامل التجارة الخارجية الاحترافي والمخلص للاقتصاد الوطني ونظيره الممارس لمختلف أنواع الفساد من غش وتهريب للأموال تحت غطاء الاستيراد.
في هذا الإطار، يتبيّن واقع لا يستساغ ويتطلب الضرب بقوة القانون على أيدي المتلاعبين بالتجارة الخارجية ممن انزلقوا إلى حدّ المساس بالأمن المالي والاقتصادي للبلاد متخفّين تحت شعار: “حرية التجارة”، ومستفيدين من فراغ لا تزال مساحته تتمدّد في ظل اختلاط للمفاهيم وتداخل للصلاحيات وتراجع- لمبررات عديدة- في دور عدد من المتدخلين المعنيين مباشرة بضبط التجارة الخارجية، على غرار عمل الجمارك ومصالح المراقبة في غياب مرصد للأسواق الخارجية يتابع حركة الأسعار ويرافق المستوردين (خاصة بالنسبة للمواد الغذائية) في التعامل معها بأقل كلفة.
 وتحسّبا للتحديات الكبيرة التي تلقي بظلالها على التوازنات المالية التي توضع تحت المجهر لتقفي أثر أيّ تلاعب أو فساد يستهدفها، رسمت الندوة الوطنية للتجارة ملامح ورقة طريق للتجارة الخارجية دون المساس بحرية المبادرة وبعيدا عن أي نزعة لعودة أدنى احتكار أو تشكيل لجماعات مصالح ونفوذ محتملة قد تستغل الترتيبات الجديدة. وفي هذا السياق، من المفيد الذهاب إلى  تطهير سجلات المستوردين وفرزها لتحديد من هم أهل للثقة ممن يتوفرون على معايير الاحترافية ومن ثمة اللجوء إلى اعتماد معيار التخصص في الاستيراد، حسب المواد وحسب الأسواق والبلدان ضمن شبكة للمستوردين تقوم على قواعد شفافة لا مجال فيها لأي تمييز أو تجاوز لقواعد التجارة السليمة.
وحتى لا تذهب التوّقعات سدى أو يتعطّل المسار بكل ما يترتب عنه من انعكاسات مرهقة للاقتصاد الوطني، ينبغي مرافقة ورقة الطريق للتجارة الخارجية بمنظومة ردع قانونية تترصد وبشكل مبكّر لأي متلاعب أو انتهازي يجعل من ثقة منحه السوق الداخلية مطيّة لتهريب الأموال، عن طريق التصريح الجمركي الكاذب، التهريب، الغش وتجاوز مقاييس السلامة والأمن على حساب مصلحة المستهلك الجزائري. ولقد حان الوقت لاجتثاث تلك الفئة الفاسدة والمفسدة التي تطاولت على ثقة الدولة، فانساقت وراء نزوات الربح السريع والسهل دون مراعاة حقوق المجموعة الوطنية أو مراعاة للتغيرات المالية والاقتصادية العالمية، التي أصبحت مصدر خطر على الدولة الوطنية تخترقها من خلال السوق وعن طريق استنزافها ماليا بالدرجة الأولى.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024