فقد الأدب العالمي والجزائري على الخصوص قامة أدبية سجلت إبداعها المتميز على المشهد الأدبي، من خلال أعمالها الروائية التي اختصرت مسيرة أكثر من ستين سنة من الحضور الإبداعي والروائي على المشهد الثقافي. صاحبة روايتي «العطش» و«نافذة الصبر» لم تقتصر تجربتها مع الكتابة فقط بل انخرطت في المسرح والإخراج السينمائي، وجمعت بين التدريس في مادة التاريخ والعمل الصحفي بجريدة «المجاهد».
بدأت رحلتها من غربة الجغرافيا إلى غربة اللغة التي كانت تكتبها أين ما حلت، ولكنها وهي تكتب بلغة فولتير ولافونتان، لم تدخر جهدا للدفاع عن وطنها ومحو تلك الصورة السوداوية التي رسمتها القوى الظلامية على الفرد والمجتمع الجزائري، الباحث عن بوتقة أمل ضد الاستعمار والاستبداد، مثلما سجلته في روايتها «نوبة نساء شنوه».
بقي فكرها جزائريا خالصا وسط ذلك الزخم من التداخل اللساني ما أكسبها مكانة دافعت من خلالها عن قيمه وتاريخه، لم تبتعد عن الوسط الأدبي حتى في علاقتها الاجتماعية، فاختارت أن يكون رفيق دربها كاتبا وكان أحمد ولد رويس (وليد قرن) الذي ألف معها رواية «أحمر لون الفجر».
فشل تجربة زواجها مع روائي منحها ربما إشارة أخرى لخوض التجربة مع شاعر وهو الذي حدث لتتزوج بالشاعر عبد المالك علولة.
قفزت إلى القمة وتبوأت مكانة في الساحة الفرنكوفونية عندما خاضت تجربة كتابة رباعيتها الروائية المعروفة، التي أظهرت متنها الروائي وفرضها كصوت في جغرافيا أخرى، لا تؤمن بالأخر القادم من ضفاف المتوسط، فمزجت بين الذاكرة والتاريخ، فكانت من أعمالها رواية «نساء الجزائر» ،«ظل السلطانة»، «الحب والفنتازيا» و«بعيداً عن المدينة».
كانت تكتب من هناك، ولكن قلبها ظل منشغلا هنا بالوطن وبأعالي شنوه، حيث المنفى الأبدي الذي أوصت به قبل وفاتها على أن تدفن هنا بالجزائر إلى جانب والدها.
فهي التي كتبت والجزائر تمر بأزمتها الأمنية عن الموت والقتل والدمار، سجلت عبر «الجزائر البيضاء» و«وهران ..لغة ميتة»، حديث مخالف ولغة أخرى لم تعهدها في كتاباتها وكأن المنحنى الإبداعي لديها تغير بشكل سريع. إلى أن عادت إلى ربوع الحب وكتبت روايتها الرائعة «ليالي ستراسبورغ»، هذه الأخيرة التي امتزجت بنوع من الخوف والهروب من جحيم الموت، حسب ما أعتقده الكثير من النقاد، لكن فسرته هي من منابر الجامعة على أنه مسكن نفسي مؤقت فقط.
اليوم سيكون جثمانها في حجته الأخيرة إلى الخلود الأبدي... يصمت صوتها، الذي زلزل وأربك دواليب القائمين على جائزة نوبل للآداب، يصمت صوتها إلى دنيا البقاء الدائم، وسينتقل اسمها من آسيا إلى إفريقيا وأمريكا وإلى كل بقاع العالم، لأنها دخلته بفكر جزائري خالص ولغة جعلت منها سلاحا ضد كل رافض.. فهل موت العمالقة يعني الفناء؟؟؟
العمالقة يرحلون.. لا يموتون !
نورا لدين لعراجي
06
فيفري
2015
شوهد:1634 مرة