الحلقة الضعيفة. .

سعيد بن عياد
24 جانفي 2015

ضخّت الدولة أموالا هائلة في دواليب التنمية المحلية وقطف كثير من المقاولين وأصحاب المؤسسات والمضاربين صفقات دسمة غيّرت من أوضاعهم الشخصية والعائلية، (ظهور طبقة أثرياء جدد)، دون أن يعيدوا بعضا من تلك الخيرات إلى المجتمع في شكل تمويل لعمليات ذات طابع ثقافي وغير مادي.. كثير من هؤلاء في المناطق الداخلية يصبحون ويمسون على حالة كارثية لقطاع الثقافة المحلية، التي يتخبّط أهلها، خاصة، المدرسة، الشباب المبدع، المرأة والجمعيات في مشاكل قلة أو انعدام التمويل لنشاطات ثقافية.. الأدهى والأمرّ هناك حالة لامبالاة تجاه أي عمل من صلب النشاط الثقافي، كتدعيم أي عمل إبداعي في شتى الفنون، مثل المسرح المدرسي والإصدارات الجوارية، ترميم مكتبة أو متحف في بلدية نائية أو المساعدة في تجهيزها بالمعلوماتية والأنظمة الرقمية.. كم تكلف عملية من هذا القبيل لمقاولين كبار ومتعاملين أصحاب نفوذ، إصابتهم تخمة المال العام؟، وتجدهم يلهثون بلا شفقة في بناء وتجديد فيلات فاخرة وتغيير ماركات سيارات فخمة والتجوال عبر العواصم. أكثر من هذا لا يمكنهم حتى اقتناء مجموعة كتب تعليمية وتثقيفية يهدونها للأوائل في المدارس التي يدرس فيها أبناؤهم، وتجد أغلبهم في الصفوف الأولى أيام الاحتفالات بالمناسبات والمواعيد الكبرى للاقتراب من أصحاب القرار والوصول إلى من يبرم الصفقات أو يذلل العقبات في الطريق إليها.. ماذا لو يبادر مقاول أو صاحب شركة على امتداد التراب الوطني، بكل ما هم عليه من وزن بمعيار المال، بتخصيص نسبة ولو ضئيلة من الأرباح والمنافع التي يحصلون عليها بفضل المشاريع والبرامج التي تسيل اللعاب لفائدة عمل ثقافي مهما كان متواضعا؟،، بلا شك سيسجلون أسماءهم من ذهب في الذاكرة الجماعية المحلية وستغير نظرة الناس إليهم من مجرد أصحاب بطون منتفخة إلى أصحاب حسّ ثقافي مدني يحضون بالاحترام.. على كل إنها مسألة ثقافة بالأساس،، وللأسف حتى ولو كان هناك منهم من يصنف في خانة المثقفين أو المحسوبين على الثقافة، فإنهم في الغالب ينزوون في خنادقهم الضيقة، يضربون حولها جدران العزلة عن المجتمع المحلي،، وهو المجتمع الذي يأكلون من غلاته ويغرفون من خيراته ويلبسون تاريخ عظمائه، لكنهم يديرون له بالظهر عندما يتعلّق الأمر بالثقافة بالمفهوم الواسع، فلا يبذلون أي جهد في تنمية العنصر البشري وإشاعة الفكر والحوار ولو بتحمّل نفقات إلقاء محاضرة أو دعوة شخصية إبداعية إلى أبعد قرية يمكن لسكانها أن يدركوا التحولات، فيساهمون في الحركة الثقافية بما يكسر شوكة الجمود القاتلة للأمل والنمو.. إن أفضل سلوك يعكس الارتباط بالمجتمع أن يحمل ذو مال مجموعة كتب إلى مدرسة قريته أو ترميم مكتبتها التي تتساقط حجارتها وتتصدع جدرانها أو يهدي جائزة لتلميذ متفوق على ما هو فيه من فقر اجتماعي مادي،، إنها، أي الثقافة الجوارية، الحلقة الضعيفة في كل تلك المنظومة القائمة على المال والمصالح والنفوذ.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024