بعد أن استفاقت من صدمتها، وجدت فرنسا نفسها مجبورة على توضيح موقفها من المسلمين وبالخصوص جاليتها منهم التي وجدت نفسها فجأة في وجه الإعصار عرضة لكلّ الانتقادات والتّحرّشات، وحتى التّهديدات التي تهاطلت عليها كالسّيل الجارف بعد أن حمّلها الجميع مسؤولية مجزرة “شارل إيبدو”، وأصدر عليها أحكاما بالإدانة وحوّل الاسلام إلى فزّاعة حقيقية، وإلى شمّاعة يعلّق عليها كلّ مشاكله ومآسيه وحتى تطرّفه ورفضه للأجانب.
لقد تفطّنت فرنسا الرّسمية بعد أن بدأ وجعها يتراجع، إلى مقدار التجنّي والظّلم والتّطاول الذي يطال الاسلام والمسلمين،خاصة وأنّه كان متزامنا مع إظهار تعاطف مبالغ فيه تجاه اليهود الذين تمّ اعتبارهم الضحية والمستهدف الرئيسي من الهجمات الباريسية.
واستغل الرئيس فرانسوا هولاند المناسبة أثناء كلمة ألقاها في معهد العالم العربي بباريس نهاية الأسبوع، لتطييب خواطر المسلمين وطمأنتهم و تهدئة روعهم، حيث أكّد “أنّ المسلمين في العالم هم أول ضحايا التطرف والأصولية وعدم التّسامح”.
وبعد أن وضع أصبعه على الجرح وبيّن أسباب التطرّف، وقال بأنه يتغذّى من كافة التناقضات والتأثيرات والآلام، ومن كافة أشكال غياب المساواة ومن النّزاعات التي ظلّت بلا حلّ، شدّد على مساواة كل الفرنسيين بما فيهم المسلمين في الحقوق والواجبات تحت قيم الحرية والديمقراطية التي لا تقبل الجدال.
كلام جميل قاله هولاند لامتصاص قلق وخوف وحتى سخط المسلمين،لكن الكلام هذا يحتاج إلى تجسيد في الميدان لوقف حملة الاستفزازات والاعتداءات التي تطالهم، وإنهاء سياسة الاقصاء والتهميش والمطاردة التي تنمّي إحساسهم بالظّلم والغبن، وتصنع من بعضهم بين الحين والآخر متطرّفين وحتى مجرمين.
على هولاند أن يدرك بأن خطابه المعسول يجب أن يتبع بالأفعال، وعليه أن يتأكّد بأنّ ما يبعث الاطمئنان فعلا لدى الفرنسيين المسلمين هو اعتبارهم ومعاملتهم كمواطنين فرنسيين لا أكثر ولا أقل لأنّهم فعلا كذلك،مع ضرورة الابتعاد عن ممارسة السياسة الانتقائية أي عندما يكون المواطن المسلم صالحا فهو فرنسي وعندما يكون طالحا ينعت بأصوله.
مبادئ الجمهورية الفرنسية “مساواة..أخوّة..حرّية” هي اليوم على المحك، وعلى السّاسة هناك أن يثبتوا التزامهم بالدفاع عنها من خلال حماية حقوق الجالية المسلمة وضمان أمنها والتوقّف عن تحميلها مسؤولية الجريمة
المأساوية التي وقعت في “شارل إيبدو” لأنّ اللّذان فعلاها لقيا جزاءهما وانتهى الأمر.
خطاب تطميني ولكن..
فضيلة دفوس
19
جانفي
2015
شوهد:521 مرة