من مطاعم الرّحمة إلى تخصيص العائلات الجزائرية وجبة إفطار لبعض العمال المناوبين، إلى توزيع وجبات ساخنة لعابري السبيل وصولا إلى «الوزيعة»، تستوقفنا صور التكافل الاجتماعي الذي تعرفه مختلف مناطق الوطن في الشهر الفضيل، حتى بلغ ببعض المواطنين ممّن يجاورون الطرق الوطنية إلى «قطع» الطريق أمام السيارات وقت آذان المغرب فقط للإلحاح على السّائقين على الإفطار معهم.
تفيض الرحمات بين أفراد المجتمع الواحد في الشهر المبارك، لكن لماذا يتقلّص وينحصر التكافل الاجتماعي بعد انقضاء الشهر الكريم؟ فالفقير والمحتاج، ومن ينتمون إلى الفئات الهشّة يبقون على حالتهم تلك مع ثبوت هلال عيد الفطر، فلماذا العودة إلى حياة متسارعة ينسى كثير منّا فيها أنّه جزء من كل؟
المجتمع بحاجة إلى هذا التكافل والتضامن الاجتماعي في كل أشهر السنة ليس فقط لتأمين وجبة إفطار ساخنة للمعوزين وعابري السبيل، بل لزرع ثقافة التواصل والتراحم بين أفراد المجتمع الواحد، ولدعم بنيته الاجتماعية بالتماسك والتلاحم باستعمال اسمنت مسلح من نوع خاص جدا هو الأخوّة والتفكير في الآخر، فكلتاهما تمنحان الفرد شعورا بالانتماء الروحي للمجتمع، فالإنسان بفطرته «يدرك ضرورة تماسكه وتعاونه مع الجماعة» حسب ابن خلدون، ليصبح التماسك والتضامن ضروريان، ولا يمكن الاستغناء عنهما.
سيكون علينا إبقاء حبل التكافل الاجتماعي طوال أيام السنة ليتزوّد المجتمع بجرعات إيجابية تجعله أكثر تلاحما، أفراده متماسكون ومتضامنون فيما بينهم، بل ويتميّز بعلاقات صحية بعيدا عن الصّراعات النّفسية والشعور الدائم بالتهديد، فحتى يعود الجار الى استئمان جاره على منزله، وحتى يتخلى الفرد عن الأبواب الحديدية لحمايتها من السطو، لابد من زرع بذور التآخي والتلاحم، وسقيها بماء التكافل والتضامن حتى ينمو مجتمع متماسك ومتآزر.