يحل علينا شهر الصيام والبركات والجزائر تستعيد عافيتها من أزمة صحية استثنائية حرمت الصائمين لذة الصلاة في المساجد والطواف حول الكعبة المشرفة، ليحل علينا هذه السنة آمنين من وباء حصد العديد من أرواح الأحباء والأصدقاء ليكون الإنذار الرباني للعودة إليه بعيدا عن رياء ونفاق أثقل صفحات حياتنا.
يعود رمضان وكثيرون منا في قلبه غصة الفقد والغياب والانحراف عن طريق الله ليجد نفسه في ظلمات الضياع والانحدار الى دهاليز الحياة المقفرة، وبعيدا عن الملامة والعتاب. لمَ لا نجعل منه هذه السنة فرصتنا للعودة الى الانسان داخلنا، الى رب يفرح بتوبة الواحد أشد من فرح الضال الواجد، فنستعيد بذلك زمام حياتنا ونتعلق بحبال المغفرة والرحمة لتتجلى أمامنا طريق التوبة.
وبين بياض يطغى على جدران بيوتنا وشوارعنا وأواني جديدة نقتنيها فرحا بالشهر الفضيل علينا ان نجعل قلوبنا أولى بالبياض بأن نجدد النفس بالتوبة والاستغفار، فيكون رمضان فرصة لا تعوض لنستعيد تلاحم وتماسك مجتمع يقاوم اغترابا موجعا أفقد الاسرة دفئها وتواصلها.
حرّي العودة الى أصالتنا التي تؤسس لمجتمع تتظافر فيه الجهود لترميم الانسان واعطائه جرعات الامل في غد أفضل، مجتمع الفرد فيه للجميع والجميع للفرد، في صورة تعكس ضميرا جمعيا يلملم جراح الذات وانكسارها، حتى تشعر الروح بالاطمئنان في مجتمع يتسابق أفراده الى الخير بعيدا عن النفاق والرياء والزور والجشع والانانية المفرطة والشعور بالدونية.
دونية حولت الجميع الى ضحية، لكنها في نفس الوقت حوّلت هذه الضحية الى آلة مدمرة للقيم، فعندما يشرع اللّص في السرقة بحجج واهية وتبرر جريمة الرشوة بحجة الاجر الزهيد، سيصبح لزاما إعادة النظر في منظومتنا الأخلاقية، لذلك لنجعل من قلوبنا هذا رمضان أولى بالبياض والتجدد.