من حسنات «كوفيد التاسع عشر»، أنّه خفّف من زحمة الأقسام بالمدارس، وفسح بعض الوقت للمتمدرسين كي يعيشوا طفولتهم، بعيدا عمّا تعوّدوا عليه من «انحناء» تفرضه المحافظ الثّقيلة التي تقصم الظّهور وتطوي الصّدور، وتراكُمٍ للمواد الدّراسية يُعشي الأبصار ويشتّت الأفكار، فقد فرض «كوفيد» فروضه، واضطرّ قطاع التّربية إلى البحث عن الحلول التي تحدّ من انتشار «الفيروس»، فجاءت الرّمية غير المقصودة، و»الحلّ» غير المحسوب، كي تتبدّد المشاكل العويصة التي أرهقت المتمدرسين، ويتمكّن الأطفال من المرور بأصعب الظّروف في أطيب الأحوال.
ولقد ظلّت مشكلة «الازدحام» بالأقسام تبدو متعالية عن كلّ حلّ، وإذا بفكرة «التّفويج» تمنح كل تلميذ طاولته الخاصة، وتخفّف من وقت الدّروس، دون أن تحدث أيّ تأثير على «التلقّي»، ولا على العمليّة التّربوية بمجملها، والشّاهد هنا تصريحات مسؤولي قطاع التربية التي لم تكفّ عن التّنويه بالنّتائج، ولا عن الاعتراف بجميل إطارات التربية الذين بذلوا جهدهم كي يقوموا على واجباتهم، ما يعني أنّ «التّفويج» حقّق الغاية المرجوّة من «التّعليم»، وحقّق «الغاية غير المرجوّة» حين سمح للمتمدرسين بأن ينعموا بشيء من «الطّفولة»..
والحق أنّنا لا نفهم كثيرا ممّا هو متداول من حديث عن المناهج الجديدة، ولكنّنا نعتقد أنّ العملية التّربوية – في الطّور الابتدائي خاصة – تقصد إلى الوصول بالتّلميذ إلى التمكّن من أدوات «القراءة» و»الحساب»، وقد تعمل على منحه بعض أدوات «الذوق»، وترسّخ في صدره ما يحفظ له مقوّمات هويّته، وأسباب انتمائه، ليكون فاعلا في مجتمعه، نافعا لأهله، صالحا لبلاده، وليس يغني شيئا في تحقيق هذه الأهداف، وصْل النهار باللّيل في الدراسة؛ فالمسألة لا تتعلّق بـ «التّلقين»، قدر تعلّقها بـ «الفهم»، وهذا مقتضاه «المحبّة» و»القبول» اللّذان لا يمكن أن يوفّرهما «ازدحام» الأقسام والموادّ، ولا المحافظ القاصمة للظّهور..