لا يترك النّقاش الدّائر حول الحرب الروسية – الأوكرانية، دليلا على وهن مسألة التأثير الممكن لـ «العولمة» على الخصوصيات الثّقافية، إلاّ ويقدّمه سهلا واضحا من أرض الواقع، ولا يكاد يترك فرصة كي يبرهن على أنّ ممثّلي «الحضارة المهيمنة»، لا يقدرون على استيعاب العالم باختلافاته وتنوّعاته، رغما عمّا صدّعوا به رؤوس الناس من أحاديث عن القيم الإنسانية العليا، وضرورة الالتزام بسموّ «الدّيمقراطية» و»الحرية» وباقي المفاهيم التي يظلّون على علكها عاكفين، ثم لا يلبثون أن يعترفوا صراحة أنّ «الإنسان» ليس سوى ذلك الذي تمنحه الجينات (قضاء وقدرا) شعرا أشقرَ وعيونا زرقا..
وفي كلّ حال، لم يأت ممثّلو «الهيمنة» بجديد، فقد تعوّدوا على رفع «الفيتو» في وجه كل قضية عادلة لا تخصّ أصحاب العيون الزرق، تماما مثلما تعوّدوا على فرض منطقهم على بقية العالم، بحكم أنّهم يمتلكون «القوّة» التي تخوّل لهم تحديد مصائر النّاس، واستغلالهم بطرق وأساليب قد يندى لها جبين جدّهم الأول الذي انشغل ببيع الرقيق، وانتهك كل معاني «الإنسان»..
وما زلنا نقول إنّنا ضد منطق الحرب، ولكنّنا لا ننكر أنّه منطق يفرض ضرورته القصوى حين يغيّب التّوازن، ويشيع الظّلم، ويطغى النّكران والتّحقير والازدراء حتى يصبح خطابا يوميا.. هذا زنجي حقّه أن يخنق، وذاك مسلم فهو إرهابي حتما، والآخر لا ينطق بلغات الرومانس، فهو بدائيّ ومتخلّف وبشع، وينبغي تخليص العالم منه!!..ثم يغلّف كل هذا الغلّ والحقد على البشر، بغلاف من القيم الإنسانية السّامية، ويصطنع له مؤسّسات سياسية وثقافية، وأخرى رقابية تفرض فروضها على «المنظومات التّربوية»، و»الرّؤى التّاريخية» و»المواقف الحصيفة»، كي تحاصر كل ومضة نور يمكن أن تشرق في أي نقطة من العالم.
نعتقد أنّ العالم أجمع تجاوز الطّرح العنصري المقيت، ولم يعد يحتمل مزيدا من ظلم الإنسان، باسم الإنسان..