قالت العرب قديما «ذلّ من لا سيف له». وقالت الواقعية السياسية الدولية حاليا، إن بناء القوة أمر لا مفر منه لمجابهة حالة اللاّقانون والتحالفات والإصطفافات المربوطة بحوافز المصالح والإيديولوجيا، فكل الهيئات الدولية، بكل ما تمثله من نظريات المثالية، تقف عاجزة تماما أمام أدوات الصراع ومطامع النفوذ.
إن التحولات الدولية وبروز الحروب الهجينة وحروب الجيل الثالث التي تقوم على ضربات استباقية، قبل أن يطور الغرب مفهوما جديدا للحرب مبني على التفكيك والفوضى، عبر توظيف أزمات الداخل واستعمال الدعاية للتلاعب بسيكولوجية الجماهير وحشد محدودي الوعي السياسي مع المتطرفين سياسيا أو الذين لا يملكون مناعة سياسية أمام فيروسات وأوهام الإمبريالية والقوى النيو ليبيرالية التي تسعى للتدجين والهيمنة عبر تجييش التفكير بنظريات الديموقراطية والإصلاح المستوردة والتي تصطف مع الموجهين وأجنداتهم.
إن هذه التحولات المركبة والمربكة أيضا، تجعلنا، بشكل أو بآخر، نفكر في بناء القوة وتعزيز الوعي وتعظيم الانسجام الداخلي في الاقتصاد والفكر وطحن النعرات العرقية والايديولوجية. فبناء القوة الوطنية بقدرات محلية تُجند الطاقات والكفاءات، مع تطوير إمكانات الردع الإستراتيجي بالفكر والدبلوماسية والقوة وفق ما تفرضه الظروف والتحولات العالمية وموازين القوى التي نحن فيها. فالنظام الدولي يحابي ويفرض لغة الأمر الواقع ويمارس الوصاية والتمييز ضد دول بعينها.
إن بناء القوة بحاجة لتحفيز فعال للجامعات ومراكز البحث وتعظيم مُقدراتنا من المادة الرمادية واستغلال ثرواتنا الطبيعية وفق مخطط طويل الأمد واستراتيجية مُستدامة مع الوضوح والجدية في تنفيذ التوجه، لأن الارتباط الجزئي أو الكلي بنظم دولية تخضع للمتغيرات يُعد مخاطرة مفتوحة الاحتمالات، فضلا عن أن السعي الذاتي له طعم خاص يعزز الروح والثقة الوطنية.
وفي كل هذا لندرك بأن الاستقرار والحياد الإيجابي، مع تعزيز السلم والاستقرار في الداخل، هو القاعدة الأهم والأبرز لتحقيق التحول المنشود، وبعدها لنمضي في فتح صفحات أخرى؛ ذلك أن بناء القوة الوطنية بِقدرات محلية هي فرس الرهان في المرحلة المقبلة. فالولايات المتحدة لم تَنْمُ وتصل للعظمة وتهيمن بعد ذلك، إلاّ بعد أن طبقت مبادئ العزلة الإيجابية وبناء الداخل، وطورت بعد ذلك مبدأ تيودور روزفلت للهيمنة «احمل عصا غليظة وتكلم بهدوء».