لم تكد روسيا تحرّك قواتها معلنة بداية الحرب، حتى سارعت أوكرانيا إلى لاهاي، ورفعت دعوى استعجالية ضد غريمها الروسي بقصد استصدار «أمر» بتوقيف العمليات العسكرية، والالتزام بـ «القوانين الدّولية»، أو ربّما تقصد إلى فرض «اعتذار روسيّ» تتلقاه معزّزة مكرّمة، على مشهد من النّاس.. ولمَ لا؟! الطموح دائما مشروع، حتى وإن عانق بعض الخيال..
ولا نعرف إن كان الطرف الأوكراني يدرك أنّ أقصى ما تقدر عليه محكمة العدل الدولية، لا يتجاوز «التّنديد» و«الاستنكار». فـ«المحكمة» لا تملك أداة تفرض بها أحكامها، ولا وسيلة إلى تمريرها، وهذا ما يعرفه جميع ساكنة العالم، تماما مثلما يعرفون بأن الرّهان الروسي استراتيجي، ولا يمكن التلاعب معه بمجرّد خطاب يقصد إلى التّعمية على الوقائع المعيشة؛ ولهذا تتملّكنا الحيرة من الموقف الأوكراني الذي كان ينبغي أن يراهن على «ذوي القربى»، ليكون في موقع أفضل من الذي يتيحه له الرهان على المواعيد الأمريكية والأوروبية الخلاب.
فـ«الروس» مهما يكن موقفهم، هم أقرب إلى أوكرانيا من كلّ الذين عاثوا فسادا في العالم، وفرضوا جورهم وطمعهم وانتهاكهم لأبسط حقوق الإنسان، وجعلوا من انتهاكاتهم قوانين دولية تفرض انصياع الجميع، فلم يتركوا منظومة تربوية، ولا خلقا قويما، ولا سلوكا حسنا، إلا حاربوه، ولم يتركوا فضيلة إلا ميّعوها، ولا قيمة عليا إلا دنّسوها، ولم ينشغلوا إلا ببثّ النزاعات والصراعات بين المغلوبين على أمرهم، ودمّروا معنى «الإنسان» في ذاته، حين حرّفوا معنى «الحريّة»، فاختصوا بها الشّواذ والمرضى النفسيين والمغفلين، وعبثوا بمفهوم «العدل»، فجعلوه حصرا لخدمة رؤاهم القاصرة، وهو ما يمكن أن تفسّره «لاهاي»..
ونعترف أنّنا لا نحب الحرب، لكننا نرى أن الحرب الروسية ستحدث تغييرات دقيقة في أسلوب المعاملة، ولعلها تفرض تصنيفات جديدة آمنُ للإنسان وأسلمُ..