يختلف فقهاء اللّغة في تعريف «العزم»، فيذهب بعضهم إلى معادلته بـ»الصّبر»، بينما يختار آخرون أن يربطوه بـ»الحفظ»، ونرى أنّه مرتبط بهما معا، فالواحد من النّاس (يعزم) على أمر، فـ»يصبر» على التّوصل إليه، و»يحفظه» - مهما طال به الزّمن - إلى أن يتحقّق..
ولا نحتاج إلى برهان نقدّمه كي نقول إن مادة «العزم» عندنا، تحتاج إلى شيء من «العزم»، فكثيرا ما نعلن عن قرار هامّ، فتموج الدّنيا وتتحرّك وسائل الإعلام الثّقيلة و(الخفيفة)، وتنتشر الملصقات، وينهمر الإشهار، وتتفتّق حاسة الإبداع بالأناشيد والأغاني، ثم لا نلبث إلا قليلا حتى تنطفئ الشّعلة، وتخبو العزيمة، وتعود حليمة إلى عاداتها القديمة، كي يستقرّ «القرار» في ركن من الذاكرة مظلم، إلى أن يهضمه النّسيان، وتطويه الأيام، وتتحوّل (الحيحاية) الكبيرة، فتصير ذكرى غابرة لا تخطر على بال أحد، إلى أن تلمع في الأذهان فكرة «قرار» جديد، فتموج الدّنيا من جديد، ونكرّر نفس المسيرة إلى المنتهى المعروف سلفا..
ولعلّنا نضرب – في هذا المقام – مثلا بالحركيّة المثالية التي شهدها الإعلان عن «استعمال الأكياس الورقيّة» عوضا عن «الأكياس البلاستيكيّة»، فقد ثارت الثّائرة آنذاك ضد «البلاستيك» وأضراره الكبيرة التي يسببها للبيئة، وتابعنا ركاما من (الأغاني) والربورتاجات والحوارات تُجمع كلّها على التّنويه بـ»الكيس الورقيّ» ومزاياه، وتدعو الخبازين إلى تجنّب استعمال البلاستيك، بل إن إدارات ضخمة أعلنت عن الشّروع في توزيع عشرات الآلاف من الأكياس الورقية على الخبازين كي تسهّل لهم «الانتقال» إلى الكيس الجديد، ودعت إلى استعمال أكياس القماش وقفف (الدّوم)، وهلمّ جرّا من الإجراءات التي تكفل تجنّب العادات القديمة، ثم لـمّا شبعت الفكرة تفكيكا وتشريحا، عاد الجميع إلى قواعدهم سالمين، وعاد الخبّازون إلى استعمال الأكياس البلاستيكية، في انتظار (فكّورة) جديدة تكون أحلى من فكّورة (تعريب لافتات الحوانيت)..