ما زال الاقتصاد العالمي مشدودا بعدة قيود، تتجاوز تحديات بروز المزيد من متحوّرات فيروس كورونا، في صدارتها مخاطر التضخم الضاغطة بقوة على وتيرة الانتعاش، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية لم يكن ينتظر تسجيلها بهذه السرعة وفي عز فصل شتاء، كان يترقب أن يخرج منه العالم من عنق أزمة «كوفيد19».
أوروبا المتطورة تصارع بلدانها لصمود اقتصادياتها بما فيهم ألمانيا القاطرة الرئيسة لاقتصاد الاتحاد الأوروبي، غير أنّها تصطدم بأزمة غاز وتحترق بلهيب أسعار كبّدها تكاليف إضافية لم تكن في الحسبان، تعقد من جهود احتواء شبح التضخم الذي يعاني منه العالم، بسبب الأزمة الصحية التي لاتزال مستمرة مع غموض موعد تلاشيها.
يعصف التضخم بشكل مباشر بالدول الثرية قبل الفقيرة، ففي القارة العجوز قفز إلى ما فوق 5 بالمائة، وتعد نسبة مخيفة لم تسجل قبل سنة 1997، في وقت تتضاعف المخاوف من أي تشديد للبنك المركزي الأوروبي، قد يهدّد بانهيار جهود التعافي الاقتصادي، وبالتالي تضرر الحكومات والشّركات التي لم تستيقظ بعد من صدمة الديون المزعجة، وإن كانت «كريستين لاغارد» مؤخرا قد طمأنت أن الضغط الناجم عن التضخم مؤقت وزائل، حيث تتوقّع اختفاءه قبل نهاية العام الجاري. في وقت هناك من يعتقد أنّ مسارات انتعاش الاقتصادات من قيود الوباء بمؤشّرات جد إيجابية حفّز المنحى التصاعدي لأسعار الطاقة، غير أنّه وضع المستهلكين في مأزق.
تتطلّع الدول الصّناعية الكبرى إلى تجاوز العقبات المفاجئة والدفع بمؤشر التضخم نحو الوراء، من خلال عملية خفضه بطريقة مستدامة لا يسجل فيها أي تداعيات سلبية، من شأنها أن تعمّق من خسائرها الاقتصادية التي طالت بالرغم من بوادر الانتعاش التي سجلها الاقتصاد العالمي في الفترة الأخيرة، لكن مازالت مستويات النمو تتأثر من فترة لأخرى بتداعيات الوباء، فتعاود إلى التراجع.
أوروبا تتحدّث عن كورونا والتهاب أسعار الطاقة بدرجة ثانية كعوامل كبحت عجلة اقتصادها، لأنّها أرجعت نحو 28 بالمائة من أسباب التضخم إلى ارتفاع أسعار الطاقة، لكن حتى أسعار الأغذية والقطن وعدة مواد أولية تغيرت أسعارها نحو الأعلى، لذلك من الطبيعي بعد أزمة صحية شديدة ومختلفة عن كل ما شهده العالم من حروب وأوبئة وفيروسات، أن ينفلت التضخم وتلتهب الأسعار وفي الوقت الحالي كل الدول تسارع وتسابق الزمن لإيجاد حلول اقتصادية للتخلص من تراكمات سنتين من شبح أزمة ليست كباقي الأزمات.