يعبّر عن الكساد في عالم الأشياء بحالة الانكماش التي تضرب النّشاطات الاقتصادية على الأمدين المتوسّط والبعيد، وعرفت المجتمعات الحديثة هذه الظّاهرة عدّة مرّات، أشهرها على الإطلاق ما سمي بالكساد العظيم سنة 1929، والذي ضرب الاقتصاديات الرّأسمالية الكبرى حينها.
أمّا في عالم الأفكار فالكساد تعبير عن حالة التخلف التي تعيشها المجتمعات. وتعني تعطيل للطّاقات الاجتماعية حينما لا يستطيع المجتمع تلبية حاجاته الاستهلاكية الأساسية نتيجة لخلل في الديناميكية الاقتصادية المبنية على ثنائية الحق في العيش الكريم، والعمل واجب على كل فرد.
فالمسَلَّمة الأولى والمتعلّقة بالحق في العيش الكريم يفرضها الاختيار لمبدأ معيّن يلتزم به المجتمع، ويسجّله في دستوره بوصفه أساسا لعقد اجتماعي، فمثلا يعد الدّعم الاجتماعي في الجزائر خيارا والتزاما دستوريا لا يمكن التخلي عنه، لكن يمكن مراجعته وفق متطلّبات العصر.
والمُسلّمة الثانية (العمل واجب) فليست اختيارا بل هي ضرورة تفرضها الأولى شرطا لاستمرار التفاعل بين الإنتاج والاستهلاك.
مثلا، يقدّر الاستهلاك الجزائري (الواردات) سنويا بـ 35 مليار دولار، أمّا الإنتاج والمتمثل في قيمة الصّادرات (بدون احتساب ريع المحروقات)، فلا تتعدّى 5 مليار دولار في أحسن الأحوال، استبعاد المحروقات وفق المعادلة السّابقة أمر ضروري، لأنّ العاملين في هذا القطاع لا يمثّلون سوى 2 ٪ من مجمل القوى العاملة في الجزائر (يساهمون في 96 ٪ من مجمل المداخيل)، أمّا البقية السّاحقة فلا تساهم سوى بـ 4 ٪ من مجمل الصّادرات.
الخلل في المعادلة واضح، وهو مقدّمة لنتائج نعيشها يوميا، مثل ظاهرة الهجرة غير الشّرعية أو ما تسمّى «بالحرقة»، إذ هي تعبير عن طاقة اجتماعية معطّلة عبّرت عن نفسها باختيار هذا المسار.
ينبغي على من يخطّط لإطلاق الطّاقات الكاسدة أن يكون مقتنعا بضرورة إطلاقها بدون شروط إضافية خارجة عن المسلّمتين السّابقتين، والجزائر بما تمتلكه من إمكانيات قادرة على تفعيل هذه الطّاقات.
طاقات أصبحنا نحتفي ونتفاخر بها، لكن للأسف ليس بما أنجزته في الجزائر، وإنما بإنجازاتها في بلدان أخرى تجاوزت مرحلة تفعيل الطّاقات الاجتماعية الداخلية إلى استقطابها من بلدان أخرى