التغيير ليس تغيير تركيبة حكومية فقط، بل هو تغيير نمط تفكير وأنماط سلوك وآليات عمل، لأن ذلك شرط زيادة فعالية المؤسسات والإدارات العمومية واستعادة مصداقيتها، أو بنائها من جديد.
وتأتي التكنولوجيا اليوم لتكون، لحسن الحظ، حليفا لإرادة التغيير وحليفا لغايات بناء منظومة اقتصادية فعّالة وشفّافة في استخدام الأموال العمومية. والرقمية والرقمنة حل فعّال للكثير من إشكاليات التسيير، وخاصة في تغيير العلاقة بين الناس والإدارات وفي الحد من سلطة البيروقراطيات وفي ضمان الشفافية والحد من الرشوة في جل أشكالها.
ولعل الإدارات التي كان ينبغي رقمنتها كليا هي الجمارك والضرائب وأملاك الدولة، فهذه الإدارات متهمة اتهامات خطيرة بشكل دائم، فهي حينا مثال عن البيروقراطية وأحيانا هي الأكثر عرقلة لمصالح المواطنين ومرة أخرى الأكثر فسادا.
الرئيس أمر بشكل صارم باستكمال رقمنة هذه الإدارات وإتمام ذلك في أقرب الآجال، مؤكد لما لديه من قناعة بأن الكثير من عوامل التغيير مرتبطة بإنجاز مشروع الرقمنة وهو ما يمكّن من حماية هذه الإدارات الدائمة للدولة من الفساد وعوامل الإفساد وتحسين علاقتها بالمواطنين وترقية خدماتها بشكل ملموس. قال لي مسؤول كبير يوما: تصلح الدولة بصلاح إدارتين وتفسد بفسادهما، وهما الجمارك والضرائب.
ويمكن أن نستنتج أن إنقاذ الإدارات الدائمة للدولة، يمر حتما عبر رقمنة مصالحها وتغيير طبيعة علاقتها بالناس. وأن محاربة الفساد وتجفيف منابعه يمر عبر الطريق نفسه.
وفي النتيجة يمكن القول إن بناء الثقة بين الناس والسلطات العمومية يمر أيضا عبر عملية الرقمنة، كما أن الدولة الجديدة تقوم على طبيعة علاقات أخرى مع الجزائريين وشرطها تغيير كل أدوات الدولة، من سلوكها ومن منطقها ومن أساليب عملها. ذلك ممكن تكنولوجيا ولكن حتى التكنولوجيا يمكن أن تحرّفها بعض السلوكات عن غايتها ووظيفتها. ولكنها ضرورية وهي أفضل من الواقع القائم.