مع بروز موجة قوية من التّفاؤل إثر طرح سلسلة من اللقاحات لكبح انتشار الوباء ومحاصرة أضراره الاقتصادية والصحية، تحرّك صوت الشر مجدّدا بعد عودة التفجيرات الإرهابية الأخيرة إلى بغداد، لتذكّر شعب بلاد الرافدين بسنوات الرعب والانفلات الأمني وأحداث مأساوية مدمّرة، في وقت قلّ الحديث عالميا عن الحرب ضد الإرهاب، بعد أن انصبت الأنظار والجهود والاهتمام إلى مكافحة عدوّ جديد غير مرئي..لكن من قال إنّ الإرهاب سيندثر ويختفي بهذه السهولة لأنه مخادع تماما مثل الوباء والفيروسات الخبيثة التي تتحوّر في نسخ متعددة لتقاوم البقاء، وشن المزيد من العدوان على البشر.
الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالمنظومة التنموية العالمية، قد تدفع أطرافا بعيدة عن الضوء لكنها ضالعة حيث كانت وراء نشأة التنظيمات الإرهابية من بينها تنظيم «داعش»، بالعودة مجددا لتعزيز مصالحها واستعادة تموقعها الجيواستراتيجي خاصة في منطقة الشرق الأوسط من خلف ستار الإرهاب، للحصول على مناطق نفوذ أوسع وفتح فرص جديدة لتسويق الأسلحة وتبييض الأموال عبر إراقة المزيد من دماء الأبرياء تحت شعار اجتثاث جذوة الإرهاب ومحو آثار التطرف. فهل يمكن رؤية المزيد من الصّراعات، وبروز «داعش» متحوّر باسم وتكتيك جديدين بعد أن تحوّلت الفوضى والحروب إلى أسلوب لفرض أجندات أجنبية على مناطق تسيل لعاب الأصدقاء قبل الأعداء؟
قبل التأكد من قرب التحكم في الفيروس وفعالية حملات التطعيم ضد الوباء، ثبت أنّ الإرهاب لم يختف ولم يمت، بل اقتطع عطلة إجبارية وبقي يتحيّن الفرصة للانقضاض على فريسته، لأن مؤشرات الواقع تثبت بأنّ الخطر قائم ولا يمكن لأحد أن يتصوّر الثوب الذي سيظهر به مجدّدا، في ظل وجود أطراف مستفيدة تموّل وتسلّح وتغذّي وتواصل تخطيطها بمكر، لذا يحمل طرح بعض الخبراء الذين يعتقدون بأن الوقت مازال مبكرا للحديث عن نهاية للإرهاب يحمل الكثير من الصحة، بل من الخطأ إثارة مسألة طي صفحات الإرهاب، في ظل استمرار وجود من يحضنه ويقوّي شوكته على أرض الواقع وافتراضيا.
البحث عن حلول سلمية توافقية في تسوية مختلف الصراعات من الميكانزمات التي تؤسّس لمسارات ناجحة تكشف حقيقة النوايا وتعري من يصطادون في المياه العكرة، ووحدها من تسقط أقنعة من يقفون ضد مسارات السلام وخيارات تأمين الاستقرار وحقن الدماء، حتى لا تعود عقارب الساعة إلى الوراء.