تحت شعار «أمريكا متّحدة»، يتسلّم الديمقراطي جوزيف بايدن اليوم مقاليد السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية في ظروف استثنائية ليس فقط بسبب تفشي وباء كورونا وانعكاساته السلبية على الاقتصاد والمجتمع، بل وبسبب حالة الاحتقان والانقسام والعنف السياسي التي أثارها الرئيس المودّع دونالد ترامب، الذي نراه يخرج من الباب الضيّق بعد أن ملأ الأجواء توتّرا وشكوكا وفوضى سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
بعيدا عن ظروف انتقال السلطة وأجواء حفل التنصيب الذي يجري في ظلّ إجراءات عسكرية وأمنية غير مسبوقة، يقف كثيرون عند التحديات الصّعبة التي تنتظر الرئيس الأمريكي الجديد، ويتساءلون، هل يستطيع بايدن أن يكون « بوتين» أمريكا، وهل سينجح مثلما نجح الرئيس الروسي في إنقاذ بلاده، من إرهاصات بيروسترويكا ميخائيل غورباتشوف، وإخفاقات بوريس يلتسين، ليصحّح ما أفسده العهد الترامبي؟
من المرجّح أنّ المهمّة ستكون صعبة جدّا على بايدن خاصّة في ظلّ الأزمة الصحيّة التي تعصف بالبلاد، لكن من المستعجل استعادة ثقة الشعب الأمريكي بنظامه السياسي، ورأب الصّدع الذي زلزل كيان المجتمع ونسف الوحدة الوطنية وضرب أسس «الحلم الأميركي» في العمق.
المهمّة الأولى لساكن البيت الأبيض الجديد، بالإضافة إلى مواجهة وباء كورونا ووضع استراتيجية للتعامل مع آثاره الاقتصادية والاجتماعية، ستكون إنهاء الانقسام والعنف والصّراع الإثني والثقافي الذي عمل ترامب على ترسيخه طيلة أربع سنوات من حكمه، لكن إذا كانت استعادة ثقة الأمريكيين هي أولوية الإدارة الجديدة في الداخل، فإنّ استعادة ثقة العالم والحلفاء على وجه الخصوص بالشريك الأكبر والأقوى، تضاهيها في الأهمية.
لقد سدّدت سياسات ترامب الخارجية الكثير من الطّعنات لمفهوميْ الاستقرار والسلام الدوليين، ما يضع بايدن أمام امتحان صعب، إذ عليه في خضمّ انشغاله بإعادة ترتيب البيت الداخلي من الفوضى العارمة التي سبّبها سلفه، أن يرمّم بوصلة السياسة الخارجية ويستعدّ للعودة إلى الساحة الدولية بشكل أقوى وأقوم.
كما عليه أن يستل سيفه ليجهز على السياسات القومية والانعزالية للإدارة السابقة التي تسببت في فجوة واسعة في العلاقات الأمريكية-الأوروبية، وفي حرب اقتصادية مع الصين، وتوتر في العلاقات مع كندا والمكسيك، اللتين أُجبرتا على التفاوض من جديد على الاتفاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، وفي انسحاب غير مبرّر من منظمات واتفاقيات ذات أهمّية بالغة، مثل منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس حول المناخ، والاتفاق النووي الإيراني .
يبقى في الأخير التأكيد، أنّه رغم كثرة المهام وصعوبتها، فإنّ بايدن مصرّ على طيّ صفحة الزمن الترامبي الرديء.