الثلاثاء في الولايات المتحدة ليس كسائر الأيام، يسمّى عظيما إذا وافق بداية شهر نوفمبر كل أربع سنوات، وهو موعد انتخاب الرئيس الجديد الذي يتسلّم مهامه في العشرين جانفي من السنة المقبلة.
وقبل أربعاء التنصيب، يعيش البلد هناك، ثلاثاء هو الأطول في تاريخه، قد يقدم فيها الرئيس المغادر على أفعال لم تكن في الحسبان، كأن يفجّر حربا كبيرة ضد «دول مارقة»، كما قد يضغط على زر منذرا ببدء هجوم نووي، وفي أحسن الحالات قد يصدر مراسيم بالعفو عن كثير من المجرمين المطلوبين للعدالة ويختمها بالعفو عن شخصه في واحد من السيناريوهات التي ستثير جدلا قانونيا وأخلاقيا سيكون سابقة في تاريخ البشرية.
هي لحظة العبور من مرحلة تاريخية إلى أخرى، لا يمكن إلا أن تكون بولادة قيصرية، لأن قواعد اللعبة هناك تقتضي من النظام الرئاسي الصارم أن يوفّر كل السلطات في يد الفائز بانتخابات «الثلاثاء العظيم»، مهما كان ذلك الشخص في إطار القانون، فعندما يستلم مهامه يتحوّل من يشبه «مالك البيت الأبيض» الذي لا يخضع لأي سلطة بما فيها سلطة البرلمان ويحق له استخدام حق الفيتو ضد قوانين يصوّت عليها البرلمانيون.
وأمام هذه السلطات ومع «جمود» قواعد اللعبة الانتخابية، كان من حظ الولايات المتحدة الأمريكية صعود رؤساء يتمتعون بالحد الأدنى من المسؤولية سمحت ببقاء ذلك النموذج بنقائصه وتناقضاته كل تلك المدة، ولم يكن أحد يتوقع صعود شخص غريب من مشبّع بعقلية تلفزيون الواقع ويتعامل مع قضايا سياسية بمنطق تاجر الخردة.
قد تخرج أمريكا سالمة من هذا «الثلاثاء»، كما قد تتخلص من شبح ترامب بطرق قانونية، لكن «الترامبية» التي تحوّلت إلى ما يشبه العقيدة يبدو أنها باقية وتتمدّد، فلا عجب إن جاء بعد أربع سنوات من يشبهه، كأن يكون وزير خارجيته الحالي مايك بومبيو الذي يبدو أنه لا يختلف عنه كثيرا.