عندما أتفحص الصور المتراقصة لشباب اليوم، ما يُعبّرون عنه في مواقع فايسبوك وتويتر ويوتيوب، وغيره، أميز بسهولة، بين أمواج شبابية متلاطمة، فئة خاصة لا أراها بعين التشاؤم، مثلما يفعل غيري، من الذين يسارعون إلى تصنيف شباب اليوم وفق «برامج مدرسية» لم تحقق توافقا وطنيا، مثل «المدرسة الأساسية»، التي اتهمت في وقت مضى بتخريج إرهابيين، وفق منظور مؤدلج طغى على قراءات وعيون لم تكن ترى بغير «أبيضه وأسوده»، ناهيك عن تصانيف أخرى يسارع أصحابها إلى إلصاق «تهمة» أو «صفة» بهذا الجيل، الذي لا يقاسمهم بالضرورة تفاصيل الرؤى وزواياها المختلفة، حتى وإن جمعهما وعاء اجتماعي واحد، وهوية واحدة..
قراءة ظاهر السلوكيات، بسرعة إصدار الأحكام القيمية، لا يتيح فرصة لرؤية هذه الفئة التي أتحدث عنها، وهي فئة خجولة ومميزة، تبحث عن من يُعينها على تفجير مكنوناتها وطاقاتها، في الأطر المتاحة منذ مدة، مثل الحاضنات، وفي غيرها لمن لم يسعفه حظ الظهور في مثل هذه الفضاءات المشجعة على الابتكار، خصوصا بالنسبة لمن لا تصلهم «حسنات المدينة»، من الذين سكنوا الجزائر العميقة، ويعيشون في مناطق الظل، ويحلمون بـ»نصف فرصة»، قادرة على تحويل حياتهم من يسار الفقر إلى يمين المعرفة وصناعة الثروة..
لدينا طاقات كثيرة مبعثرة هنا وهناك، في الأحياء الشعبية، والجامعات، وفي أماكن تقل فيها ضغوط الحياة الحديثة، عقول أصحابها غير ملوثة بضجيج الحياة، لديها قدرة على العطاء، تحتاج فقط من يرشدها إلى «صناعة المستقبل»، حالا، أو يوجهها إلى ثانوية رياضية أو تكوين خاص، ينبغي إيجاده للضرورة، تحضيرا لها لما سيُطلب منها لاحقا، في إطار البحث عن العقول النادرة، وهي سياسة ينبغي تعميمها على جميع القطاعات، وعلى طريقة ما يحدث من بحث عن العصافير النادرة في الرياضة، في مستويات دنيا، قد لا ينتبه لها من يبيعون ويشترون أسماء لامعة في سماء الكرة..
في بدايات انتشار التوحد في الجزائر، الذي صنفه بعضُنا مرضا، اكتشف معالجون في أول مدرسة لمتابعة هذه الفئة بالجزائر العاصمة، طاقات عقلية مبهرة، تفجّرت لاحقا، في شكل صاحب مشروع ناجح في التكنولوجيا، مشروع روائي، وأحدهم أصبح مسيرا لمؤسسة صغيرة ومتوسطة ناجحة جدا، يعمل فيها اليوم أرباب عائلات، وعندما تذكرهم بما كان عليه صاحب المؤسسة يقولون لك دفعة واحدة: نحن المتوحدون!