الكثير من الخبراء أجمعوا على أن إلغاء وزارة التخطيط في الجزائر أثّر سلبا على خيارات الدولة الجزائرية وحكوماتها المتعاقبة، التي وجدت نفسها تلبّي احتياجات يومية مستعجلة تحت الضغط عوض استشرافها، والنتيجة كانت حصول فوضى عارمة في الكثير من القطاعات؟.
إن استحداث وزارة للاستشراف خطوة على الطريق الصحيح، من أجل نجاعة أكثر للسياسات الحكومية ودقة أكبر بشأن الخيارات الكبرى للدولة الجزائرية في مختلف المجالات والأصعدة مع تحكّم أكثر في التكلفة.
كانت الخيارات العشوائية والقرارات، التي اتخذت تحت وطأة الاستعجال، نتائجها وخيمة على البلاد، ويكفي التوسّع العمراني العشوائي عيّنة على انعدام التخطيط والاستشراف معا.
زمن الاعتماد على المخطّطات الخماسية وحدها ولّى، لأن الرهان الحقيقي اليوم هو استشراف القادم لنحو نصف قرن أو أكثر، من أجل مسايرة التطورات المتسارعة في مختلف المجالات، بينما يتم اعتماد المخططات الخماسية للتعامل مع معطيات ثابتة، وهذا لا ينفي أن هذه الأخيرة ساهمت في تبنيّ سياسات عمومية مدروسة ومتكيّفة، كما ساهمت في تنظيم وتنسيق جهود وطاقات مؤسسات الدولة، فما بالك عندما يتعلّق الأمر بالاستشراف؟.
إنّ التحدّيات متعددة الأبعاد والأخطار التي تواجه الجزائر تجعلها في أمسّ الحاجة إلى هيئات فعّالة للاستشراف، تزوّد بكل الوسائل والإمكانات المادية والبشرية من أجل استشراف مستقبل البلاد على الأصعدة الاقتصادية، الاجتماعية، الديمغرافية والسياسية ومساعدة ليكون أمام صانع القرار حزمة من القرارات يختار منها، وهكذا يمكننا أن نأخذ فكرة عن ملامح الجزائر، ماذا نريد منها وماذا لها.
صحيح أن الاستشراف ليس علما دقيقا، لأنّ تخفيض عامل المفاجأة المتوقّعة إلى الصفر – يبدو ضربا من المحال - والدليل أن جائحة كورونا أسقطت في الماء كل التكهنات، فمن كان يتصوّر أن الاقتصاد العالمي يصيبه هذا الركود القاتل، بينما كانت كل المؤشّرات تقول غير ذلك، وهذا ما يمكن إدراجه في عامل المفاجأة، ولكن هو الاستثناء وليس القاعدة، ولا يبرّر عدم الاعتماد على معطيات استشرافية، لأنّ ذلك سيؤدي إلى هدر للفرص وللموارد التي ضيّعت بلادنا منها الكثير بسبب عقلية ضرب خط الرمل؟!