واجه المنتوج الصناعي الجزائري، منذ البدايات الأولى، حملات مغرضة لقتل هذا الجنين في أحشاء أمه، كما يقال. كل النعوت والأوصاف التي كنّا نسمعها كانت تستهدف تشويه المنتوج الوطني وصرف الجزائريين عنه، وكانت تقف وراءه دوائر وأطراف، في حرب تجارية، حتى لا تفقد هيمنتها على السوق الجزائرية؟
مركّب الحجار، الذي يعتبر من أبرز صروح الصناعة الوطنية في مجال الحديد الصلب وكان مرشّحا ليكون رأس حربة في الصناعة الثقيلة في بلادنا، نال القسط الأكبر من الحملات والإشاعات، إلى درجة اتهامه بأنه يقف وراء ندرة المياه في ولاية عنابة، والهدف كان التحريض ضدّ هذا المشروع، الذي كلّف الملايير؟
للأسف، وجدت هذه الحملات الممنهجة صداها بعدما مهّدت الطريق أمام التفكيك الممنهج للنسيج الصناعي الوطني، ومن ثمة اغتيال الصناعة الجزائرية. البداية كانت بانشطار التجمعات الصناعية الكبرى وشرذمتها إلى هياكل صغرى، لينتهي بها المطاف إلى الاضمحلال التدريجي، والنتيجة كانت تعويض ما كانت تنتجه تلك المصانع أو تصدّره إلى الخارج بمنتجات أقّل جودة وأكثر تكلفة يتم استيرادها بالعملة الصعبة، ناهيك عن آلاف العمال الذين تم تسريحهم والعائلات التي وجدت نفسها دون مداخيل، لتكون التكلفة الاجتماعية أكثر من الاقتصادية؟
الرهان الحقيقي هو إعادة بعث الصناعة الوطنية والظروف مهيّأة لإطلاق هذا المسار الاستراتيجي. فالإرادة السياسية متوفرة والتعويل على المؤسسات الصناعية العسكرية - التي كانت الحاضنة الأولى للصناعات الوطنية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي – وهي قادرة لتكون هذه المرة القاطرة التي تعيد إحياء أمجاد صناعتنا الوطنية.
الفرد الجزائري يعرف الصناعة والصناعة تعرفه، مما يعني أنّنا ثقافيا واجتماعيا مهيئين للصناعة. كما أن الجزائري عايش الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية التي كانت محورها المناطق الصناعية الكبرى في مختلف أنحاء الوطن، قبل أن تتحوّل إلى مناطق أشباح ويتم التنازل عن مصانعها ومركّباتها بدراهم معدودات، بينما قيمتها الحقيقية تناهز الملايير، خاصة وأن البعض منها تم التنازل عنه وهو لا يحتاج إلا كبسة زر ليعود إلى الإنتاج من جديد؟!